الفــن وسـؤال القـيـم

الفــن وسـؤال القـيـم
الفــن وسـؤال القـيـم

"إن الفن سيختفي عندما تصل الحياة إلى درجة أعلى من التوازن" بيتر موندريان
لماذا يبدع الفنان؟ ولماذا يُقبل الجمهور على صنوف الإبداع المختلفة؟ ما حاجتنا للفن، بل ما حاجة المجتمع برمته للفنون مجتمعة؟ إذا كانت المجتمعات تنشأ وتنمو وتزدهر وقد تأفل بما تحتويه من معطيات وتعرفه من ظروف اجتماعية واقتصادية، وموارد مادية وبشرية، فإنها تعيش أيضا بمفكريها، بفنانيها، وبصنّاع الجمال فيها؛ ولطالما عُرفت الدول والحضارات الكبرى بأعلامها في الأدب والفن والإبداع عامة.

الفــن وسـؤال القـيـم
د. نزهة حيكون

ولعل الحاجة إلى الفن هي حاجة ملحة لدى الإنسان، لأنه عاش حياته يحاول محاكاة ما حوله، وهذه المحاكاة دفعته للبحث عن الجمال فيما يصنعه، ومن هنا جاء الفن بحثاً عن الجمال في الصنع الإنساني بغية الوصول إلى نوع من الكمال البسيط الذي يعرف أنه لن يناله لأنه رباني لا مجال للارتقاء إليه، فيبقى الفن والتفنن والاختراعات الإنسانية بحثاً دؤوباً لكمال بشري، يروم تحقيق بعض من الجمال، جمال لا يدعي الكمال الإلهي، لكنه يبحث في تحقيق الأثر في النفس البشرية المتأملة في عظمة الكون، وعظمة خالقه.

لما كان الفن حاجة بشرية تتولد عن رغبة الإنسان في البحث عن الجمال، ولما كان المُنجز الفني هو تعبيراً عن الأفكار والمشاعر والمكنونات التي قد لا تظهر إلا من خلال منحوتة أو لوحة تشكيلية أو مسرحية أو قصيدة أو غيرها، فإن الفن اضطلع بوظائف مهمة في المجتمعات البشرية. إنه لسان حال الأمة، والمترجم الحقيقي لمستوى رقيِّها، وبُعدها عن بدائية الإنسان ورغباته وهواجسه المتوحشة، إلى مستوى أعلى وأرقى يرتبط بالقيم.

كيف يرتبط الفن بالقيم وهو ذو وظيفة جمالية صرفة؟ ليس السؤال استنكارياً، بل هو بحث في الخصائص. للفن أدوار شتى، إذ قد يتحول إلى وسيلة تعليم وتعلم، وقد يكون وسيطاً مُلهِماً للفرد من أجل إنتاجية حقيقية في المجتمع، كما قد يكون مطية للترفيه والترويح عن النفس، لكنه في كل الحالات يكون حاملاً للقيم.

هل سيدفعنا فصل الفن عن منظومة القيم إلى الإيغال في الجماليات دون البحث في الرسالة والقضية والرهان الذي يحمل الفنان من خلال مُنجزه ومنتوجه؟ وهكذا يتحول الفن إلى ترفيه ولهو لا غير، وبريق لا روح فيه. أم سيدفعنا الربط بين الفن والقيم إلى الوقوع فيما يُعرف بالقيود والضوابط والحواجز الاجتماعية؟ وهكذا يتحول الفن إلى خَطابة ورسائل تمارس الوعظ المباشر وليس الفن مجالاً له؛ بل هل هناك منطقة وسط تمنح الفنان حرية مطلقة للإبداع، وفي ذات الوقت تحرص على الترويج للقيم والمثل العليا، والقضايا الخاصة بالمجتمع؟ هل يخضع الفنان للجماليات الفنية ويوغل في البحث عن الشكل والقالب الفني؟ أم ينخرط في رهانات مجتمعه، وينشر قيمه، وقد يغفل الشكل ويكون فنه أقل فنية وبراعة في الإنجاز؟

إن كنا نطرح اليوم هذه الأسئلة ونجدها مُلحة، فلأننا نشاهد أعمالاً فنية ربما تكون متواضعة لكنها حققت نجاحاً فعلياً لأنها ارتبطت بالشرط التاريخي والمجتمعي الذي أنتجها، وبالتالي لأنها ارتبطت بقيم المجتمع في حينها؛ لكننا مع ذلك نبحث كفنانين خاصة عن أعمال خالدة تبقى وتُحافظ على قيمتها الفنية في استقلالية تامة لمبدعيها، وربما هنا نكون بصدد الحديث عن نوع من القيم الإنسانية الكونية؛ وفي جميع الحالات لا يمكن بحال أن ننسى أو نتناسى دور الفن في التنشئة المجتمعية، وعليه لا بد من الارتباط الوثيق بينه وبين منظومة القيم دون مغالاة ودون إسفاف في الآن نفسه.

التعليقات

فيديو العدد