المدقق اللغوي صمام أمان
العدد 158 - 2024
قمّة الضعف هي أن لا تستغل ما آتاك الله من قوة، ولا يوجد في هذا العالم ضعفاء إلا الذين لم يبذلوا الجهد المطلوب لاكتشاف ما رزقهم الله من قوة، وإن للقوة أشكالاً مختلفة، منها ما يكون في أنفسنا ومنها ما يكون فيما حولنا من الهبات الربانية، ولا توجد قوة أكبر من قوة العلم، فإذا علم الإنسان عن الموهبة التي يتمتع بها، فسيستطيع أن ينميها بالطريقة الصحيحة.
وبإمكاننا أن نضرب مثالًا في قصة الأميرة أليسا، وهي إحدى الأميرات الفينيقيات، كانت تسكن في مدينة صور اللبنانية قبل 800 عام من الميلاد، وعندما أدركت أنها فقدت نفوذها في بلادها، جمعت ما لديها من أموال، وقامت بإقناع مجموعة من حاشيتها المخلصين بالفرار معها إلى أرض أخرى، وغادرت من بلادها حتى وصلت إلى شمال أفريقيا، في المنطقة الواقعة في جمهورية تونس اليوم.
نزلت أليسا في تلك البلاد الغريبة عليها، واستطاعت بذكائها وحنكتها وقوة حجتها أن تقنع السكان الأصليين لتلك المنطقة بأنها جاءت لا تريد إلا السلام، وأن الرجال الذين معها لا طاقة لهم بالقتال، وأنها تملك المال والخطط التي من شأنها أن تطوّر الزراعة والتجارة في المنطقة.
اقتنع السكان الأصليون من الأمازيغ بكلامها، والأمازيغ معروفون على مدى التاريخ بأنهم من أكثر شعوب الأرض مرونة في التعامل والتعايش مع الآخرين، فاستطاعت الأميرة أليسا بمساعدة الأمازيغ أن تبني مدينة قرطاج، وذلك بسبب ذكائها وإدراكها لمصدر قوتها، وهو قوة الإقناع والإدارة، فحققت بعقلها ولسانها ما يظن البعض أنه لا يتحقق إلا بالقتال. و الحقيقة أن القوة تكمن في معرفتنا لمصدر قوتنا، وليس في بحثنا عما يشتهر بين الناس أنه القوة، وذلك ما فعلته الأميرة أليسا، التي أصبحت بعد ذلك ملكةً على مدينة قرطاج.
وأمّا عن القوة التي نستمدّها ممن حولنا، فإنها تأتي على أشكال مختلفة ورائعة، ولا يوجد أروع من أن تختار لنفسك الشخصية المناسبة لكي تقتدي بها في حياتك، لأنها أهم مرحلة من مراحل تطوير الذات، وعليك أن تختارها بعناية شديدة، وأن يكون رسول الله محمد _صلى الله عليه وسلم_ هو قدوتنا الأولى، فقد قال الله سبحانه وتعالى:﴿لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة﴾، فالتأمل في سيرة الرسول عليه الصلاة والسلام، والاقتداء به في التعامل مع آبائنا و أزواجنا وأولادنا وجيراننا، هو مصدر قوة للفرد والمجتمع.
وكذلك في لغتنا العربية قوة عظيمة، فاللغة ليست وسيلة للتواصل فقط، ولكنها تمنحنا خصوصية وطريقة في التفكير تختلف عن طريقة تفكير الآخرين، فإذا استخدم أبناؤنا اللغة الإنجليزية في الدراسة والبحث والتحليل، فلن يصلوا إلا إلى ما وصل إليه الناطقون باللغة الإنجليزية، لأنهم يستخدمون الأدوات ذاتها، ولكنهم إذا استخدموا اللغة العربية في البحث والتحليل فسيأتون بنتائج مختلفة، وسيضيفون للعالم إبداعاً وابتكاراً لا يستطيع أن يأتي به غيرهم، لأن اللغة العربية تمنحهم أدوات للتفكير تختلف عن الأدوات التي يستخدمها الآخرون، وبذلك نتمييز، وذلك لأن القوة لا تكمن فيما يشتهر بين الناس بأنه قوة، ولكنها تكمن فيما منحنا الله من القوة، وعدم البحث في تلك القوة هو قمّة الضعف.
التعليقات