المدقق اللغوي صمام أمان
العدد 158 - 2024
لم يعد الإلمام بقواعد اللغة العربية وكتابتها وفق أصولها مشكلة شعب من شعوب الدول العربية، ولكنه مشكلة الجميع، ذلك لأن كل شعب من الشعوب العربية له لهجته ولكنته الخاصة به، والتي لا تتقيد في مجملها كثيراً بقواعد اللغة العربية، مما جعل الاستعانة بالمدققين اللغويين حاجة ملحة لتصحيح الكتابات بأنواعها المختلفة.
ورغم أن معظم اللهجات الخليجية هي امتداد للهجات عربية قديمة، مع التأثر ببعض الكلمات والمصطلحات غير العربية، إلا أنها حالياً لا تتمسك بقواعد اللغة العربية إلا في مسألة التأنيث والتذكير دون أن تتقيد بما خُصص لمخاطبة المثنى، كما أن الكثير لا يلتزمون باستخدام نون النسوة عند الحديث عن المرأة إلا قلة من القبائل، ومنها قبائل في دولة الإمارات العربية المتحدة، ومثال على ذلك؛ عندما يقول أحدهم (خل الحريم يقربن) أي دع النساء يقتربن مما يردن رؤيته.
حتى أولئك الذين يظنون أنهم يجيدون الكتابة يصيبهم الإحباط نتيجة اختلاف المتخصصين في اللغة العربية في رسم بعض الكلمات، كما هي الحال عندما تُكتب كلمة (شؤون) فيتم تصحيحها إلى (شئون)، وإذا ما كُتبت (شئون) يأتي من يجعلها لتصبح (شؤون) وحجتهم أن كل مدقق لغوي يتبع مدرسة تختلف عن الأخرى، كما أن رسم الكلمة يربك الكاتب، فما يتم تعليمه في المدارس من استخدام الألف عند سماع صوت المد تجد بأن ذلك لا يتناسب مع بعض الكلمات (لكن، هذا، هؤلاء وغيرها من الكلمات والأدوات اللغوية)، أيضاً هناك اختلاف بين الرسم القرآني والرسم المستخدم في الكتابات الأخرى، رغم أنها كلها تعبر عن الخطوط العربية.
وكل هذه الاختلافات شجع أن ينادي البعض بأن يتم التجاوز عن الأخطاء الكتابية، ولكن إذا ما تم الاستجابة إليهم فإن ذلك سيؤدي مع مرور الوقت إلى ضعف اللغة العربية، وكذلك لحدوث التباسات واختلاف الآراء حول المعنى الصحيح للكلمة المكتوبة بطريقة خاطئة، فلهذا يكون المدققون اللغويون صمام أمان للحفاظ على اللغة الصحيحة ورفع اللبس عن أي كلمة في مرحلة تكوينها، وهي جنين في رحم المسودة قبل أن تولد وتخرج للحياة ليراها أو يسمعها الآخرون.
كما أن الغيرة على اللغة العربية أمر حميد ومطلوب، ولكن يجب أن لا يتم التعسف في تقييم الكاتب في أي مجال على أخطائه الكتابية بقدر ما يتم تقييمه على قوة قلمه في الصياغة وتوظيفه الكلمات التوظيف الأمثل، ولهذا تستعين دور النشر والصحف والمواقع الإلكترونية المقتدرة بمدققين لغويين لتدارك الأخطاء الكتابية لكُتابها؛ لأنها تحترم التخصصات وتدرك أهمية التكامل الكتابي بين كتاب موهوبين ومرموقين يكتبون في المجالات المختلفة، ومن يكمل إبداعاتهم من المتخصصين في اللغة العربية، الذين يعملون على تنقية تلك الكتابات من الأخطاء الكتابية.
كما أن التقنيات الحديثة تلعب دوراً في كتابة الكلمات؛ فهي إما أن تكون مرشدة لاستخدام الكلمة الصحيحة بفضل التصحيح الإلكتروني التلقائي، أو تضلل الكاتب نتيجة ضغطه على زر حرف دون الانتباه فتؤدي إلى الخطأ أو تغيير معنى الكلمة، وقد يعاني الجيل القادم من الصعوبة الكتابية أكثر من جيلنا الحالي ومن سبقنا نتيجة استخدامه المفرط للعلامات الموجودة على الهواتف الذكية والأرقام الإنجليزية، وإن كانت عربية الأصل، عند كتابة الكلمات العربية، حيث أصبح رقم (9) بديلاً لحرف (ص)، رقم (3) حل محل حرف (ع)، ورقم (6) معبراً عن حرف (ط)، ورقم (7) مرادف حرف (ح) ويتم استخدام (*) بديلاً عن النقطة التي تستخدم للتفريق بين الحروف.
وهناك أرقام وإشارات أخرى أصبحت هي المعبرة عن الكلمة العربية، مما يجعل وظيفة المدقق اللغوي ليست أقل أهمية عن بقية الوظائف المسؤولة عن عمليات بث الحياة في الكلمة وإخراجها من ظلمات أدوات وآلات كتابتها إلى نور الصفحات الورقية والإلكترونية. ولا يفوتني وأنا أنهي كتابة هذه السطور أن أعتذر للمدقق اللغوي عما تسببت فيه من أذى بصري له وهو يقرأ أخطائي الكتابية.
التعليقات