جبل مرة... قمم وشلالات وطبيعة بكر تتحدى الزمن

جبل مرة... قلب دارفور، حيث السحر والجمال والطبيعة البكر الخلابة، وجمال شلالات تجمع بين الدعة والسكون الخامد منذ سنوات بعد أن أكمل ثورته وهيجانه فتحول من حمم ملتهبة إلى منابع مائية متعددة المذاق صارت قبلة للسياح وعلماء الطبيعة يقصدونه من بقاع تبعد ملايين الكيلومترات.

يقع جبل مرة في غرب السودان في ولاية وسط دارفور، بمدينة زالنجي ويمتد من بداية محلية كاس بولاية جنوب دارفور ومروراً بدار زغاوة حتى شمال دارفور مدينة الفاشر. وتعتبر منطقة جبل مرة في دارفور غربي السودان من أجمل المناطق على مستوى العالم وأكثرها تنوعاً في الطبيعة والمناخ. كما تتميز المنطقة بوجود ثروات مثل البترول والمعادن كاليورانيوم والذهب الذي تشير الدراسات إلى وجود احتياطات كبيرة منه بالإضافة إلى معادن أخرى، علماً على أن ولاية دارفور تحتضن كميات هائلة تعادل أنهاراً من المياه الجوفية تحت الأرض.

يعد جبل مرة ثاني أعلى قمة في السودان؛ إذ يبلغ ارتفاعه 10,000 قدم فوق مستوى سطح البحر، وهو ليس واحداً كما يوحي الاسم، بل هو سلسلة من المرتفعات البركانية ذات الارتفاع المتدرج، والمتعدد القمم، بطول يبلغ نحو 240 كيلومتراً، وعرض 80 كيلومتراً، تتخللها الشلالات والبحيرات البركانية، على مساحة نحو 12800 كيلومتر. ويمكن القول بأن جبل مرة عبارة عن مجموعة قمم بركانية، ترتفع إلى 3000 متر.

وقد تكونت البحيرات نتيجة امتلاء الفوهات البركانية الخامدة عبر مئات القرون بمياه الأمطار التي تتسرب وتنسكب عبر الصخور البركانية مكونة عدداً من الشلالات المتفاوتة في الحجم وفي كميات المياه المتدفقة منها، بعضها رئيس، وهي شلالات، "قلول"، و"نيرتتى"، و"مرتجلو"، و"سوني"، وبعضها فرعي صغير ومتوسط، مثل "ﺑﺮﻛﺔ ﺍلشيطاﻥ"، و"ﺷﻼﻻﺕ ﺍﻟﺨﺰﺍﻥ"، و"برﻛﺔ ﺍﻟﻔﻴﻞ"، و"ﺷﻼﻝ ﺳﺎﻗﺎ"، و"ﻳﻠﻤﻲ"، و"ﺑﺎﺩﻭ"، و"ﻭﺍﺩﻱ برﻧﺎ"ومن عجائب وغرائب جبل "مرة"، وجود بحيرتين مالحتين تعتبران من أجمل 10 بحيرات في العالم، وهناك أيضاً نبع "كرتكيلا" البركاني، ويعني بلغة "الفور" المحلية "الماء الساخن".

يتمتع جبل مرة بطقس معتدل يغلب عليه طابع مناخ البحر الأبيض المتوسط، حيث تهطل الأمطار في كل فصول السنة تقريباً مما يتيح الفرصة لنمو الكثير من الأشجار مثل الموالح والتفاح والعنب والصنوبر والأشجار الغابية المتشابكة بالإضافة إلى أنواع نادرة من الزهور المنتشرة بين الصخور، كما أن هذه الأمطار الغزيرة توفر إمداداً مائياً مستمراً للأراضي الزراعية مما يجعل تربتها صالحة لزراعة الذرة والدخن.

يوجد في الجبل العديد من أنواع النباتات التي ينفرد بها دولياً بالإضافة الي مجموعات كبيرة من الحيوانات النادرة والأليفة و يتميز بأنه مأهول بالسكان الذين يقطنون القرى الطبيعية الجميلة التي تنتشر حتى قمة الجبل. ويعتبر جبل مرة محط أنظار ومنطقة جذب سياحي للكثير من الزائرين للتمتع بالمناظر الطبيعية والمناخ المعتدل والبيئة النقية. يزداد هطول الأمطار السنوي تدريجياً ليصل إلى 700 ملم (27.5 بوصة).

مدينة نيرتتي هي أحد أكبر المدن المحلية غرب الجبل التابعة لولاية وسط دارفور، التي تقع غرب السودان ضمن ولايات دارفور الخمس. يحدها شمالاً ولاية شمال دارفور، وشرقاً ولاية جنوب دارفور، وفي الشمال الغربي ولاية غرب دارفور.

كلمة نيرتتي في الأصل نيرتا تيو ولكن اللفظ الغالب والأعم لدى السكان هو نيرتا تيي بلغة الفور ويقصد بها القطعة المغسولة والنظيفة الخالصة ووجه الشبه هو شكل أو طبيعة المكان ونظافته.

في نيرتتي توجد أكبر استراحة للسياح الذين يقصدون السياحة والتنزه في شلالات قلول ومرتجلو الساحرة لذلك المنطقة زاخرة ومليئة بالموارد ومصادر السياحة ذات التنوع الحيوي حيث المساقط المائية المنحدرة من أعالي جبل مرة والعيون المتفجرة من أعماق صخور شلالات مرتجلو وقلول الشهيرة، وهناك أنواع متفردة من الطيور المهاجرة والمقيمة تعطي رسماً للوحة جمالية سياحية ذات منظر أخاذ يسر العين.

يمر المسافرون بقرية تسمى "طور" تجد فيها ما لذ وطاب من جميع أنواع الفاكهة، البرتقال بجميع أنواعه والتفاح والمانجو والعنب، والتي تكاد تكون مجانية ومن "طور" هذه ينزل المسافر إلى اليمين ليسلك طريقاً ترابياً شبه وعر إلى منطقة قلول الشهيرة، التي تتميز بشلال قلول وتوجد فيها استراحة تتبع مصلحة الغابات، ويوجد مثلها الكثير في جميع أنحاء الجبل أو قل الجبال المتعددة المترامية الأطراف التي تتخللها الشلالات والبحيرات البركانية وجداول الماء العذب الجارية على حبات الحصى متساوية الأحجام تلمع كأنها أحجار كريمة بين أشجار الصنوبر وغيرها من الأشجار النادرة، والتي تكون عادة أكبر حجماً من مثيلاتها في أي مكان نسبة للخصوبة العالية وأصوات العصافير المغردة ذات الألوان المختلفة والأشكال المتعددة والفراشات الزاهية والغزلان التي تتجول في أنحاء الجبل بحرية دون خوف أو وجل ومن أعجب ما تراه عيناك أن تكون في قمة من القمم وتنظر إلى الأسفل فترى السحاب والمطر ينزل منه في قمة أو سهل أسفل منك.

هناك اعتقاد سائد بين الكثير من المهتمين بوجود ربط تاريخي روحي ديني في جبل مرة، إذ يقول الباحث في التاريخ القديم والتراث السوداني عباس أحمد الحاج، إن "نسختي سنة 1817 و1830 من التوراة، ذكر فيهما أن سيدنا هارون شقيق النبي موسى، عليه السلام، قد مات في جبل (حور) بالقرب من وادي هور، ما دفع بعض المؤرخين إلى الاعتقاد أن جبل مرة إنما هو (جبل الطور) المقدس، حيث نادى الله كليمه موسى وأظهر له آياته وأرسله إلى فرعون، المذكور في القرآن الكريم، إذ إن وادي هور المعروف والشهير، هو ذلك الذي ينبع من مرتفعات دارفور ليصب في مجرى النيل.