فارس زمن التحدي..

فارس زمن التحدي..
فارس زمن التحدي..

عبدالمقصود محمد في روايته.. يستحضر مسيرة حكيم العرب الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان

تعتبر شخصية الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من أهم وأبرز الشخصيات الملهمة للكتّاب والأدباء، نظراً لما تمتع به من حكمة وتواضع ونظرة ثاقبة وطموح وسياسة وقيادة رشيدة، وحالة إنسانية لافتة استوقفت الكثير من الكتّاب والمؤرخين.
ومن هذا المنطلق استدعى الأديب المصري عبدالمقصود محمد مسيرة حياة المغفور له الشيخ زايد في رواية صدرت أخيراً عن دار "رنة للنشر والتوزيع"، حملت اسم "فارس زمن التحدي"، والتي جاءت في 155 صفحة من القطع المتوسط.
وقد أجاب المؤلف عن سبب كتابته عن شخصية زايد في مقدمة روايته بقوله: في مقدمة كتاب "زايد عن قرب" يجيب الكاتب وجيه أبو زكري عن سؤال: لماذا كتاب عن زايد؟ قائلاً: "لأنني لم أسمع أنه فتح السجون لمواطنيه، بل فتح أبوابه ليستمع إلى آراء الجميع دون خوف من هذه الآراء".
وأنا أضيف إلى إجابة زكري فأقول: لأنه الحاكم العربي الوحيد الذي كان أول قرار يتخذه سحب نصف ما تمتلكه إماراته من أرصدته في البنوك، وتوزيعها على الفقراء، ولما سألوه: لماذا فعلت ذلك؟ أجابهم: "مهنتي كحاكم أن أصلح حال هؤلاء، وهم من جئت لأحكمهم وأدير شؤونهم، فإن لم أحافظ عليهم فمن أحكم؟ ثم إنني أعطيهم مما رزقهم الله، وأنا مؤتمن على ذلك".
وفي رواية "الصقر" لجبيلبير سينويه (سمير كساب وكانت أمه فرنسية وأبوه مصرياً). يقول كساب في روايته: إن أهم مقولة للشيخ زايد قوله "طوال حياتي كنت أحلم مستيقظاً" وفعلاً، عاش الشيخ زايد عمره يحلم وهو مستيقظ، وهنا يكمن سرّ شخصيته كفارس لم يتخلَّ عن حلمه طوال حياته، وعاش عمره كله يكافح من أجل تحقيق حلمه بإسعاد شعبه وتحويل بلده من قبائل متفرقة تعاني الفقر وجدب وقسوة الصحراء، إلى دولة متقدمة ترسل مسبار الأمل لاكتشاف المريخ، ويتمتع مواطنوها بالرخاء والرفاهية.
تبدأ الرواية من لحظة استدعاء الشيخ زايد، من قبل أخيه الشيخ شخبوط بن سلطان آل نهيان، في يناير 1946م، ليكون نائباً له وممثلاً لحاكم أبوظبي في مدينة العين وضواحيها.

فارس زمن التحدي..
عبدالمقصود محمد

وتستكمل الرواية مسيرة قيام الاتحاد ورفع العلم وتأسيس الدولة، كما تلقي الرواية الضوء على الجانب الإنساني والاجتماعي من حياة الشيخ زايد.
إلى جانب استلهام مواقف الشيخ زايد تجاه القضايا العربية والعالمية، فهي مواقف سطرت في التاريخ بأحرف من نور، وقد كان حلمه قيام اتحاد عربي موحد، وقد نجح في إعلان قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في أبوظبي عام 1981م.
كما تتناول الرواية بعضاً من مساندات الشيخ زايد للأمة العربية والإسلامية، والتي مازالت تذكرها الأجيال في كافة الدول العربية، أبرزها دعم الإمارات لحرب أكتوبر عام 1973م، والمساعدات الإنسانية التي تجاوزت حدود الوطن العربي، ليظل اسم زايد الخير منارة يهتدي بها العابرون على طريق الحق والنور والخير.
وتنتهي الرواية بوفاة الأب المؤسس الشيخ زايد في العام 2004 ليرحل الفارس الذي لا يتكرر، فقد كان لا يخشى في الحق لومة لائم، وفارساً حليماً عطوفاً، ولكنه قوي العزيمة، ظل يتحدى كل الصعاب التي واجهته، ويكافح لتحقيق حلم عمره بإسعاد مواطنيه وتوحيد وطنه، لينمو ويزدهر ويتقدم ليحتل مكانة متميزة بين الأمم.
وقد جاءت لغة الرواية لغة طيعة رصينة تناسب المقام، ويتنقل بها المؤلف بين جوانب متعددة من حياة حكيم العرب.

يقول المؤلف في الإهداء: إن الشيخ زايد فارس عظيم يتصف بالحكمة والصدق وقوة العزم، وقد بهرني أنا شخصياً عندما رأيته أكثر الزعماء العرب تحمساً لقطع إمدادات البترول عن الدول الداعمة لإسرائيل، إثر اندلاع حرب أكتوبر 1973م، وسمعته يقول: البترول العربي ليس أغلى من الدم العربي" ولما اندلعت الحرب وهو في زيارة للعاصمة البريطانية لندن، اتصل بالرئيس السادات ليعرف ما يحتاجه الجيش المصري من أسلحة، وفعل نفس الشيء مع الرئيس السوري حافظ الأسد، واقترض من بعض البنوك الإنجليزية بضمان البترول؛ ليشتري الأسلحة لمصر وسوريا من الاتحاد السوفيتي، كما جهز جيش الإمارات للمشاركة الفاعلة في المعارك، وفتح باب التطوع لشباب الإمارات للتوجه لأرض المعركة وخوض الحرب إلى جانب إخوانهم في مصر وسوريا، فكان ابنه الأكبر الشيخ خليفة بن زايد (رحمه الله) أول المتطوعين، وشارك في القتال على الجبهة المصرية.
بل وصل الأمر إلى قيام دولة الإمارات بشراء كل المعروض من غرف إجراء العمليات الجراحية المتنقلة، في جميع أنحاء أوروبا وإرسالها بصورة عاجلة لجبهات القتال في مصر وسوريا مع المواد الطبية اللازمة، ومنذ ذلك الوقت دفعني حبي للشيخ زايد أن أكتب عنه، فكانت هذه الرواية (فارس زمن التحدي).

وفي ختام الرواية تقدم عبدالمقصود محمد لكل من ساهم معه في إنجاز الرواية، ذاكراً بعض المصادر منها: "زايد رجل بنى أمة" لغريم ويلسون، و"بقوة الاتحاد.. صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان: القائد والدولة" الذي أصدره مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، و"لمحات من حياة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" لإبراهيم محمد بوملحه، وغيرها من المصادر التي اعتمد عليها المؤلف.
ويشار إلى أن المؤلف عبدالمقصود محمد كاتب وأديب مصري، مقيم بالإمارات، عمل مديراً عاماً للدراما بالإذاعة والتلفزيون المصري، وهو عضو اتحاد كتاب مصر والإمارات، روائي وكاتب مسرحي وكاتب أطفال وسيناريو والعشرات من المسلسلات، كما فاز بعدة جوائز. يكتب عبدالمقصود في النقد الأدبي والفني بالصحف والمجلات العربية والمحلية.
ولعبدالمقصود عدة مؤلفات منها: إذا جاء الشفق (سلسلة روايات مختارة) والطيور .. لن تعود، شيرويت ع الإنترنت مسرحية. ولا سما ولا أرض رواية، وأولاد حياك الله رواية، وبيلسان وسرية قندهار وأوتار البهجة واختفاء حسين عمران وغيرهم. وله أيضاً عثمان الحادي عشر مجموعة قصصية. وجماليات الشعر في التراث العربي، دراسات نقدية، والحب العذري في الشعر العربي، دراسات، إلى جانب الكثير من قصص الأطفال.
ومن هنا بدأت أحداث الرواية ومسيرة الشيخ زايد، مروراً بكل التقلبات السياسية والاجتماعية التي مرت بها المنطقة، من احتلال وقيام دول وانهيار ممالك، وزايد يلاحظ ويرقب بعين الصقر، ويبني ويعمر ويستثمر في بناء المدارس والمستشفيات، فكانت عينه على السياسة العالمية والسياسية الداخلية، وتمضي بنا أحداث الرواية حتى يتولى يوم السبت السادس من أغسطس عام 1966 مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي بإجماع وموافقة العائلة الحاكمة.
لتبدأ مرحلة جديدة من حياة فارس زمن التحدي، ويثبت فيها بكل قوة براعته وحكمته في القيادة، ويتراءى في الأفق حلم كان يراود الشيخ زايد وهو قيام اتحاد يجمع كافة الإمارات تحت راية واحدة، ومن هنا تنطلق فكرة قيام دولة الإمارات العربية المتحدة. وتستعرض الرواية الكثير من المواقف والاجتماعات التي ضمت الشيخ زايد وأخاه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم حاكم دبي، حيث تم استضافة ودعوة حكام الإمارات السبع، إضافة لإمارتي البحرين وقطر؛ لتكوين اتحاد يجمع الإمارات التسع في دولة واحدة.
ولما لاحظ الشيخ زايد بحنكته السياسية أن بعض حكام الإمارات التسع غير متحمس أو يقابل دعوتهما بفتور فوجه لهم كلمة قال فيها:
"أنا لا أفرض اتحاداً على أحدٍ، فهذا نوع من الطغيان والاستبداد، ولكل منا رأيه، وهذه الآراء يمكن أن تتغير أحياناً، نضع كل خياراتنا على الطاولة معاً، ومنها نختار وجهة نظر واحدة مشتركة بين الجميع، وهذه هي ديمقراطيتنا، وهذه هي ديمقراطية الاتحاد".

التعليقات

فيديو العدد