كتاب "ذكريات مصرية "

كتاب "ذكريات مصرية "
كتاب "ذكريات مصرية "

تحقيق للسرد بصياغات متفردة في التوصيف واستلهام المكان والزمان والشخصيات

كتاب "ذكريات مصرية" لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، الصادر عن «منشورات القاسمي»، هو الإصدار رقم 90 لسموه ضمن سلسلة مؤلفاته في مختلف حقول المعرفة: التاريخ والتحقيق، والسيرة، والأدب، والمسرح.

والكتاب مجموعة من الأحداث ذات الصلة بمصر وأهلها، تضم ذكريات عزيزة، يروي فيها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أحداثًا عاشها ومواقف عايشها بمداد من الوفاء ومن ذاكرة القلم، وفاءً بحق مصر عليه، وإبرازًا لمكانتها لديه، وقد رواها بأسلوب سردي، تخالطه المشاعر والعواطف الصادقة.

الكتاب يقع في 81 صفحة من القطع المتوسط ويتضمن المقدمة التي يقول فيها سموه: "كنت مطالَباً من قِبل أصدقائي في مصر، أن أكتب عن ذكرياتي في مصر، فاخترت ما تشبعت به النفْس وقُواها الباطنة، ألا وهو الوجدان، لأصوغه في ذكريات مصرية". ثم تتابع المقالات، ومنها: كنت مراسلاً صحفياً سرياً، مزرعة الصالحية برأس الخيمة، يا محاسن الصدف، بين جيلين، محمد علي الطاهر، مشروع الألبان في الشارقة عام 1970.

تكشف هذه الذكريات عن العديد من المشاريع التنموية والعلمية، التي كانت تراود صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، ثم صارت حقيقة مشهودة، بإصرار كبير، وعزيمة وجدّ، وتحكي كيف مرت هذه المشاريع بمراحل التخطيط والتنفيذ، ثم جني القطاف وحصاد الثمر.

من بين ما يكشفه الشيخ سلطان في كتابه "ذكريات مصرية" أنه عمل- قبل مجيئه للدراسة في مصر- مراسلاً صحفياً سرياً لمجلة آخر ساعة عام 1957 عندما كان لاعباً في فريق كرة القدم التابع للقاعدة البريطانية في الشارقة – وكانت الشارقة في ذلك الوقت إحدى الإمارات المتصالحة، كما كان يطلق عليها الاستعمار البريطاني. كان الشيخ سلطان العربي الوحيد غير العامل في القاعدة البريطانية.

في تلك الأثناء يلتقي الصحفي المصري المعروف الراحل جميل عارف، وكان يعمل بمجلة آخر ساعة التابعة لدار أخبار اليوم، وكان قادماً من الكويت في طريقه إلى الهند عبر مطار الشارقة، فأراد أن يعرف معلومات عن القاعدة البريطانية الموجودة في الإمارة بجنودها وضباطها وطائراتها معداتها.
وكانت مغامرة كبيرة أن يصحبه الشيخ سلطان القاسمي من باب المستخدمين في استراحة المطار بسيارته إلى داخل القاعدة البريطانية والتجول فيها، وأراد الصحفي جميل التقاط صور للقاعدة فمنعه الشيخ سلطان؛ حتى لا ينكشف أمره، ولكنه وعده بصفته مسموحاً له بالدخول إلى القاعدة بأن يلتقط له صوراً من القاعدة ويجمع له معلومات عنها ويرسلها له بالبريد.

وحدث ما توقعه الشيخ سلطان.. وبعد مغادرة الصحفي المصري إلى الهند بحث عنه الإنجليز واستدعوا الشيخ سلطان القاسمي لسؤاله عنه وماذا فعل معه وأين ذهب.

اتفق الشيخ سلطان على إرسال الصور والمعلومات عبر البريد بشكل غير مباشر إلى القاهرة عبر الكويت بواسطة شخص آخر اسمه سيف بن عوقد، كانت مهمته جمع الرسائل من أهل الشارقة إلى الكويت وتوزيعها على أقاربهم هناك، وأحضر طوابع من الكويت لإرسال الخطابات التي تحوي معلومات مهمة عن القاعدة العسكرية البريطانية بالشارقة إلى مصر. وبدأ في مهمته كمراسل سري لمجلة "آخر ساعة". كان عمر الشيخ سلطان في ذلك الوقت 18 عاماً فهو من مواليد 2 يوليو 1939.

كما تكشف الذكريات حينما جاء الشيخ سلطان إلى مصر في زيارة لجامعة القاهرة وخاصة كلية الزراعة، فأعجب بما شاهده في قاهرة الستينيات وقرر إكمال دراسته للالتحاق بكلية الزراعة في جامعة القاهرة ليصبح مهندساً زراعياً، فأنهى دراسته الثانوية بالقسم العلمي في دبي، وكانت آنذاك تابعة لوزارة التربية والتعليم بدولة الكويت عام 1965. وبعدها تم إبلاغه مع عدد آخر من الطلبة بقبولهم بالجامعات المصرية، وكانت المفاجأة أنه الوحيد الذي تم قبوله بجامعة بغداد.

كتاب "ذكريات مصرية "

يحكي الشيخ سلطان سر إصراره على الالتحاق بكلية الزراعة بجامعة القاهرة أو بالإسكندرية أو عين شمس. فقد بدأ اهتمامه مبكراً بالزراعة من خلال مزرعة الصالحية التي اشتراها والده فى رأس الخيمة، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية لزراعة القمح بالأمطار. مع مرور السنوات تم إنشاء مركز زراعي في منطقة الدقداقة برأس الخيمة عام 1962 لتطوير الزراعة ومساعدة المزارعين بواسطة مهندس إنجليزي. ثم تزايد اهتمامه بالزراعة وطموحه في إنشاء مزرعة للخضراوات في الأرض التي يمتلكها والده في الصالحية واستفاد كثيراً من الخبير الزراعي الإنجليزي.

ثارت ثائرته وغضب الشيخ سلطان وصرخ بأعلى صوته رافضاً ترشيحه في بغداد، وضرورة تحقيق طلبه وأمنيته ورغبته بالالتحاق بكلية الزراعة بالقاهرة أو عين شمس أو الإسكندرية.

وهنا لعب القدر دوره فذهب إلى وكيل وزارة التربية والتعليم ليتفاجأ بأنه صديق قديم له ولعائلته، وأنقذه من مضايقات البعثيين وتهديدهم له في الكويت في بداية الستينيات. ووعده باسترجاع أوراقه من بغداد وإرسالها للقاهرة. ونجحت المهمة.

ومن حسن الحظ، أو لمحاسن الصدف كما أطلق عليها الشيخ سلطان فى كتابه، أن أحد الطلبة ترك كلية الزراعة للالتحاق بالكلية الحربية في مصر، وحل محله الشيخ سلطان ليستمر القدر الجميل في دوره.

يعود بنا الشيخ سلطان في كتاب "ذكريات مصرية" إلى منتصف عام 1965 عندما كان طالباً بالسنة الدراسية الأولى في كلية الزراعة، واصفاً المكان والطلبة والطالبات في تلك الفترة المفعمة بالتحولات والتغييرات الكبرى.. وتعرفه إلى مكتبة الأنجلو المصرية العريقة التي تأسست عام 1928 وصاحبها صبحي جريس، الذي كان له الفضل في فتح ينابيع المعرفة وأصول الثقافة أمام الطالب سلطان القاسمي.

قضى الطالب سلطان القاسمي 6 سنوات في القاهرة من عام 1965 وحتى عام 1971 متابعاً ومراقباً ومشاركاً في كافة تفاصيل المجتمع المصري داخل الجامعة وخارجها، ليرصد من خلالها التحولات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية التي شهدتها مصر والقاهرة بصفة خاصة، ويرصد ذلك من خلال أساتذة الجامعة الذين ينتمون لعصر الملك فاروق والآخرين الصاعدين مع عصر جمال عبد الناصر، والصراعات الفكرية الخفية بين الجيلين خلال المحاضرات.

ويمضي المؤلف الشيخ الدكتور سلطان القاسمي بلغته السردية العالية ذات الصياغات المتميزة في التوصيف والابتعاد عن التكرار في مؤلفه، وهو بذلك يمسك بتلابيب القارئ ويستدرجه نحو النهايات السعيدة.. وهذا السرد واللغة المكثفة باتت عنصراً من عناصر الأسلوبية المتميزة في جميع مؤلفات الشيخ الدكتور سلطان القاسمي.

ولأنه يخاطب الإنسان بلغة القلب فقد حققت مؤلفاته رواجاً في سوق الكتب من خلال مشاركة منشورات القاسمي في معارض الكتب العربية والعالمية، فخلال الأعوام الماضية، تم ترجمة نخبة مميزة من مؤلفات الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، التي تأتي ضمن سلسلة ثقافية واسعة، خاصة، وشهدت صدور طبعات مترجمة للغات العالم المختلفة لمسرحيات وروايات والكتب التاريخية لسموه، بعد زيادة الطلب عليها، خاصة من مختلف الجهات العلمية والمعرفية.

وما زالت مصر التي حظيت بجزء كبير من اهتمام مؤلف كتاب "ذكريات مصرية" المُفعمة بالإعجاب والدهشة التي وجهها الشيخ الدكتور سلطان القاسمي؛ فمناظرها وتقاليدها وعاداتها ما زالت فهي مصدر ذهول جارف، هذا على الأقل هو الانطباع الأول الذي يتولَّد لدى الناظر. بحيث لم يترك المؤلف جانباً من جوانب الحياة في مصر إلا ذكره، واسترسل في كثير من الأحيان في وصفه فضلاً عن انطباعه تجاهه؛ كوصفه للنساء بوجههنّ الهادئ القسمات اللاتي يفْرِكن حبَّات المسبِّحة مستندات إلى أحد الجدران، والأهرامات التي تثير الدهشة، وسحرة الثعابين، وخرافات النيل، وحفل زفاف ملكي، وغير ذلك الكثير.

وبالتأكيد فإن منشورات القاسمي تسعى لترجمة كتاب (ذكريات مصرية) ليكون في متناول القارئ أينما كان لأن للترجمة دورها الحضاري العالمي، لذلك ترجمت كتب الشيخ الدكتور سلطان القاسمي إلى أكثر من (18) لغة عالمية، وتابعها أكثر من (30) ألف قارئ للكتاب الورقي في الوطن العربي والعالم، تم اختياره ضمن منهج وزارة التربية الإماراتية للصفوف الثانية عشرة، كما صدر عنه أيضاً كتاب مسموع.

التعليقات

فيديو العدد