يدبر الأمر

يدبر الأمر
يدبر الأمر
يدبر الأمر
رولا خرسا

بعض الآيات القرآنية لا نستطيع فهمها جيداً إلا عندما نعيشها (وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
بدأت الحكاية عندما كنت أعمل في إذاعة لندن أو هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" التي أقفلت قسمها العربي أخيراً للأسف منهية بذلك عصراً بأكمله لا يمكن أن ينسى. كنت أعمل مذيعة في القسم العربي، وكان حلمي أن أصل إلى التلفزيون؛ فالشاشة لها سحرها الخاص، ومنذ نعومة أظافري كان دوماً يتم اختياري للقراءة أمام الفصل كله، وذلك في كل المدارس التي تنقلت بينها بسبب ظروف لبنان السياسية، حيث أمضيت طفولتي ثم استقراري النهائي في مصر، كنت محظوظة في سن مبكرة في التعرف على طريقي؛ فمعرفة شغفك أو ما تتقنه قد يكون من الأمور التي يقضي البعض حياتهم كلها باحثين عنها، وقد يموتون دون أن يجدوها.
اقترب الحلم عندما أعلن القسم العربي عن عزمه فتح قناة تلفزيونية، كنت أعرف مسبقاً أن الامتحانات ستكون صعبة جداً لأنها تتضمن ترجمة ومعلومات عامة إضافة إلى الأسئلة السياسية المتنوعة، وأنا كانت لغة دراستي هي الفرنسية، فبدأت أدرس كل ما يقع تحت يدي كمن يستعد للثانوية العامة.

دخلت أول امتحان وكان قراءة نشرة الأخبار.. واجتزته بنجاح كبير، بشهادة من امتحنوني. وجاء موعد الامتحان الثاني، أكثر من ثلاث ساعات بأسئلة كثيرة جداً عن كل ما يخطر على بالكم.. امتحان صعب جداً جداً!
عشت فترة من التوتر والقلق، في انتظار النتيجة.. وأذكر جيداً لليوم الورقة التي وصلتني، وتتضمن عبارة مشرقة: "لقد نجحتِ في الوصول إلى المستوى المطلوب من الـ بي بي سي، وتفوقتِ في امتحان شارك فيه أكثر من عشرة آلاف شخص" طرت من الفرحة، وصرت أردد بفرح: "يا أرض اشتدي مفيش حد قدي"! سعادة الإنجاز والتقدير والنجاح رغم شراسة المنافسة.. ووصلنا إلى آخر خطوة وتسمى البورد… جلست أمام لجنة مكونة من فطاحلة الإذاعة، ثلاثة من العرب وأجنبي واحد، وطرحوا عليّ القليل من الأسئلة السهلة.. وبعدها قال لي أحدهم بالحرف الواحد: اطمئني.. أنت إضافة للمكان.
وقال لي الأجنبي: هل أنت مستعدة للبدء من الغد؟ أنت معنا بالطبع..
لكني كنت مسافرة في اليوم التالي إلى مصر مع أولادي لزيارة أهلي، فأكد لي أن موعد بدء عملي سيكون عند عودتي.
وقضيت إجازة مليئة بالأحلام وحكيت للكل عن نجاحاتي وانجازاتي… ثم عدت إلى لندن.. لأجد رسالة تنتظرني أنهم قد استبدلوني بمذيعة أخرى.. دون تقديم أسباب.
وقع الخبر عليّ كان صعباً جداً…. انهرت تماماً.. بكاء شديد أنهكني حتى مرضت وبقيت في السرير نائمة من إجهاد الروح.
ومضت الأيام.. ثم عرض عليّ أن أكون مراسلة للتلفزيون المصري، هذا العمل لم يكن أبداً ليعرض عليّ لو كنت منتسبة لقناة أخرى، وكان درس عمري: لا تحزن أبداً على رزق ضاع، فالله سبحانه يحضر لك رزقاً أفضل.
تجربة بي بي سي رغم مرارتها إلا أنها كانت نقطة فارقة في حياتي… لم أعد أتعلق أو أتوقع… أقوم بما عليّ أن أقوم به.. والله يدبر الأمر.

التعليقات

فيديو العدد