أم عبد اللطيف.. إماراتية تتنفس تراثاً
العدد 163 - 2025
بأنامل مبدعة وإصرار وعزيمة لا تعرف المستحيل، وقلب وعقل مسكونين بالتراث وأمجاده، تحتضن آمنة أحمد محمد المعروفة باسم أم عبد اللطيف، صاحبة معرض "عبق الماضي" في متحفها الصغير بمنزلها، التاريخ بكل تفاصيله وشموخه، عبر صياغتها وصناعتها لمجسمات طينية تشرب من عبق الماضي وتروي تفاصيل حياة الأجداد بكل بساطتها وسحرها كي تحفظه للأجيال الحالية.
شرعت رحلة أم عبد اللطيف بعدما أتمت مهامها في تربية "العيال"، واطمأنت عليهم بل وأوصلتهم إلى أعلى المراتب في مجالات الطب المحاماة والتعليم العالي وأيضاً السلك العسكري، وكل منهم أصبح لديه أسرته، ثم أكملت دراستها في فصول محو الأمية في مبادرة "العلم نور"، حيث انطلقت في مرحلة جديدة وصفتها بأنها نهاية البداية، نهاية مرحلة التربية والاعتناء بالأولاد وبداية تحقيق الحلم الذي راودها بأن تعرف جيل اليوم بتراثهم الغني، وممارسة هواياتها وهي صنع المجسمات التراثية النابضة بالحياة، قائلة "جاءت الفرصة عندما طلبت المدرسة من أحد أحفادي عملاً مجسماً خاصاً عن الإمارات من صنع أولياء الأمور وفعلاً صممت له مجسماً حصل على الجائزة، وبعدها بدأت مسيرتي".
وتضيف: "صممت هذا المتحف الذي فيه الكثير من تفاصيل طفولتي في الفريج الذي كنت أسكن فيه ومدرستي ودكان الفريج، وغيره من الشواهد التي تحولت اليوم الى مراكز تراثية سياحية، وقمت باستقبال شخصيات مهمة أجنبية وعربية في متحفي المتواضع، وحرصت على الانطلاق خارج حدود الوطن والمشاركة في المعارض بعدما تطورت تجربتي ليس على مستوى الإمارات فحسب بل إقليمياً، وفزت بالكثير من الجوائز منها: جائزة فريحة الصباح للأم المثالية في الكويت والشخصية المؤثرة في البحرين، وحصلت على دكتوراه فخرية من الجامعة الأمريكية للعلوم التقنية، الذين أبدوا إعجابهم كثيرا بمجسماتي كونها تنبض بالحياة، وحصلت على أكثر من 300 شهادة تقدير من أماكن متنوعة"، وأطلقت مشروعي "عبق الماضي".
ولفتت إلى أن كل مجسماتها تعبر عن "حياتنا القديمة وتترجم ماضينا، منازلنا، مثل المطابخ الإماراتية والخيم وجلسة المطوع والقطان وفالة الضحى والبراجيل"، كما صممت نموذجاً لبرج خليفة، وكاسر الأمواج في أبوظبي، ولوحات عن حق الليلة، والبحر وصيد اللؤلؤ وشجرة الرولة.
أعادت أم عبد اللطيف عشقها للتراث إلى حبها لتاريخ الإمارات الزاخر بكثير من الجماليات التي لا يعرف عنها الجيل الحالي شيئاً، وكلها ترمز لحياة جميلة وبسيطة هادئة حاولت تقديمها إلى الجيل الحالي كي يعتز ويفتخر بها.
وتستطرد قائلة: "الكثير من المحيطين بي يرغبون بشراء مجسماتي، لكني أرفض بيعها وأفضل تقديمها كهدية، لأنها ببساطة تعبر عن التاريخ.. والتاريخ لا يباع. كما تعتريني السعادة بشكل كبير لدى دعوتي للمشاركة في حدث تراثي، وأشعر بالفخر لدى رؤيتي نظرات الإعجاب للمجسمات في عيون الآخرين، ما يعني أني حققت الهدف الذي أريده وهو ملامسة الأعماق والعودة بالزمن إلى الوراء، والتعرف على هذه الصور الجميلة المليئة بالحب والتآلف والمودة بين أفراد المجتمع، وهو الأمر الذي كثيراً ما نفتقده اليوم في حياتنا، فأنا عاصرت المرحلتين قبل مرحلة النفط وما بعدها، وأحببت المرحلتين بغض النظر عن اختلافهما".
وأشارت إلى أن التصميم يستغرق من أسبوعين إلى عشرين يوماً، لكن الوقت الأطول الذي تحتاجه يكون في التفكير في التصميم ذاته، كيف سيظهر للناس وما هو أفضل شكل له، حيث يوجد مجسمات تبدأ فيها ولا تعجبها بعدما تصل إلى نصف التصميم لتتوقف فوراً حتى تعيد رسم الشكل في مخيلتها وإبداعه بالشكل الذي يرضيها مرة أخرى.
وتواصل حديثها- والفرح والفخر يلونان وجهها-: "اليوم أستضيف الزوار في متحفي، الذي أعدت تجديده ووضعت الإضاءة المناسبة له، كما أنظم ورشاً حرفية بالتعاون مع نادي الأصالة. فأنا أشجع جيل اليوم على التعرف على تراثنا الجميل". موضحة أن "مقتنيات المتحف عبارة عن مجسمات لأماكن حقيقية مشغولة بطريقة حرفية تنطق بالحياة، حيث استخدام المواد الطبيعية كما هي، فلا أقتبس أو أعتمد على الصور المتوفرة بل هي محفورة في مخيلتي أجسمها وأجسدها كما هي فتبدو واقعية، ومنها: السكيك، العرش (البيت الشتوي) النخر (البيت الصيفي)، البرجيل، مستشفى ماري هوسمان، خياط الفريج، بيت الكتاتيب، محل الأقمشة، مسجد البدية ونافورة أبوظبي المائية وغيرها الكثير.
يشار إلى أن أم عبد اللطيف انضمت عام 2005 إلى نادي الأصالة التابع لدائرة الخدمات الاجتماعية في الشارقة، الذي يضم العشرات من الأمهات ممن فوق الـ60 عاماً، ويهدف إلى تقديم خدمات اجتماعية وترفيهية وتثقيفية متنوعة لكبار السن بهدف دمجهم الاجتماعي وتعزيز مهاراتهم وقدراتهم. كما يسعى إلى توثيق التراث ونقله للأجيال الشابة.
التعليقات