تأملات كريمة .. بين دفء الزنجبيل، ورغوة اللاتيه
العدد 162 - 2025
آني إرنو .. وصفت بأبرز رائدات (التخيل الذاتي) في السرد المعاصر
تتجه أنظار العالم سنوياً، وتحديداً في شهر أكتوبر/ تشرين الأول إلى الأكاديمية السويدية المانحة لجوائز نوبل، لمعرفة الأسماء الفائزة بهذه الجائزة العالمية.
ولكن يبدو أن نصيب الأدب العربي، قد اقتصر في قائمة الفائزين بجائزة نوبل للآداب على اسم نجيب محفوظ، الذي نال الجائزة عام (1988م).
وبرغم المرات العدة التي اقترب فيها اسم عربي من القائمة القصيرة المرشحة للفوز بالجائزة، قبل الإعلان الرسمي للجائزة ومنها: يوسف إدريس وأدونيس، ومحمود درويش، إلا أن الآمال تتبخر، ونظل نقتات ذكريات حصولنا على الجائزة، ونمني النفس بأن نوبل للآداب ستكسر القاعدة مرة أخرى وتمنحها لمبدع عربي كرس نفسه لخدمة الأدب، وهم كثر.
ومنذ أسابيع احتفت الأوساط الأدبية بإعلان جائزة نوبل للآدب، والتي كانت من نصيب الفرنسية آني إرنو، وذلك تقديراً لإنجازاتها الأدبية التي هدفت إلى سبر أغوار النفس البشرية، وحللت ما فيها بدقة، وخرجت لنا بنتاجٍ أدبي يعبر عن المعاناة، واتخذت تجربتها الشخصية بطلًا في معظم أعمالها.
وإرنو أول فرنسية تحظى بجائزة نوبل على تاريخ الجائزة منذ العام (1901) والتي تمنح سنوياً تقديراً لإنجازات الفائزين في حقل الأدب والطب والعلوم (الفيزياء – الكيمياء)، والسلام، والاقتصاد.
وبذلك تلحق آني إرنو بركب العظماء على قائمة نوبل للآداب الفائزين بالجائزة الروائيون: إرنست هيمنغوي، وغابرييل غارسيا ماركيز، وتوني موريسون، ونجيب محفوظ، وعبدالرزاق قرنح ومن الشعراء لويز غلوك، وبابلو نيرودا، وجوزيف برودسكي، وطاغور، ومن الكتاب المسرحيين فاز هارولد بنتر ويوجين أونيل وغيرهم.
وآني إرنو تبلغ من العمر 82 عاماً، ومنذ إعلان اسمها من قبل لجنة الجائزة، أصبحت المرأة السابعة عشرة التي تحصل على هذه الجائزة الأدبية العالمية، من أصل ما مجموعه (119) فائزاً بفئة الآداب منذ بداية منح جائزة نوبل الأولى عام (1901). وقد بدأت الجائزة تعرف طريق نون النسوة في العام (1909) وكانت أولهن الكاتبة والروائية السويدية سلمى لاغيرلوف، وآخرهن الشاعرة والكاتبة الأمريكية لويز جلوك في العام (2020).
وإلى جانب كونها أول امرأة فرنسية تحظى بنوبل للآدب، فهي أيضاً صارت الفائز الفرنسي السادس عشر في تاريخ نوبل، بعد ثماني سنوات من حصول الروائي باتريك موديانو عليها. وقد سبقها عدة رجال منهم أناتول فرانس وألبير كامو وجان بول سارتر (الذي امتنع عن تسلم الجائزة).
وإرنو اسم جديد يضاف لقائمة الفائزين في نوبل للآداب واسمها الحقيقي عند ولادتها في سبتمبر عام (1940) آني دوشيسن، وهي كاتبة وروائية ومدرسة أدب فرنسي، حصلت على العديد من الجوائز؛ منها جائزة رينودو الأدبية (1984) وهي جائزة أدبية تمنح للروايات المكتوبة باللغة الفرنسية، عن روايتها "المكان"، كما تعد روايتها "امرأة" من كلاسيكيات الأدب المعاصر في فرنسا.
عاشت آني إرنو المولودة في منطقة النورماندي بشمال فرنسا منذ طفولتها حياة قاسية، وفي كنف عائلة متواضعة مادياً، تنتمي للطبقة العاملة، إلا أنها منذ الصغر كانت طموحة جداً، وقد نجحت في استكمال دراستها الجامعية وعملت معلمة للأدب واللغة الفرنسية.
وتعتبر إرنو نفسها مدونة لسيرتها الذاتية أكثر من كونها كاتبة أو روائية، ما شجع الكثير من المتابعين على وصفها بأبرز رائدات التخيل الذاتي (وهو مصطلح أدبي اقترن ظهوره بالكاتب والناقد الفرنسي سيرج دوبرفسكي قرابة العام (1977)، وهو نوع وسيط بين السيرة الذاتية والرواية).
وقد ظهر ذلك جلياً حينما وصلت روايتها "السنوات" أو (السنون) إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر الدولية عام (2019) وهنا أكدت إرنو مكانتها الأدبية، واعتبرت كأديبة ذات أسلوب مميز ومغاير في الكتابة المعاصرة، في مجال كتابة السيرة، ومن ثم تأثر بأسلوبها الكثير من المؤلفين حول العالم، وساروا على نهجها، في كتابة الرواية المعاصرة.
وتعرف عليها القراء من خلال روايتها الأولى "خزائن فارغة" في العام (1974)، وتوالت أعمالها السردية والتي من أشهرها "المكان" (1982) و"السنون" (2008) وأخيراً "ذكريات حياة" (2018). وقد صدر كتابها الأخير الشاب في مطلع شهر مايو عن دار غاليمار التي درجت على نشر كتبها.
وحتماً تعتبر آني إرنو من الأسماء التي عرفت عربياً من خلال عدة روايات تمت ترجمتها منها: "المكان" و"الاحتلال" و"الحدث"، و"امرأة"، ورواية "شغف بسيط" وأيضاً "مذكرات فتاة"، وغيرها من الأعمال الروائية التي ترجمت للعربية على يد نخبة من المترجمين منهم: أمينة رشيد وسيد البحراوي، وإلسكندر حبش وسحر ستالة، ومبارك مرابط ولينا بدر.
كما ترجم لها إلى اللغة الإنجليزية معظم رواياتها كونها تعيش في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عشرين عاماً، وقد عرفت الشهرة الأدبية من خلال أعمالها الروائية والمتابعات الصحافية والدراسات النقدية لأعمالها الروائية.
وصرحت اللجنة المانحة للجائزة باختيار إرنو لشجاعتها في الكشف عن الجذور الذاكرة الشخصية، وقوتها في السرد والكتابة بجرأة.
وقد علقت إرنو على منحها الجائزة بقولها: "أعتبر أنني أُعطيت شرفاً كبيراً، ومسؤولية كبيرة بالنسبة إلي في الوقت نفسه، وهي مسؤولية أُعطيت لي من خلال منحي جائزة نوبل، وهذا يعني إعطاء شهادة عن شكل من أشكال الإنصاف والعدالة في ما يتعلق بالعالم".
التعليقات