أحمدو ولد عبدالقادر.. أحد الآباء الكبار الذين جمعوا بين الإبداع الشعري والروائي
العدد 163 - 2025
من بلد المليون شاعر، تتسابق الأصوات الشعرية، صادحة بأعذب الأبيات وأجمل التصاوير والأخيلة، ومن ضمن هذه الكوكبة السنية يتألق نجم أحمدو ولد عبدالقادر؛ شاعر جمع بين ريادة الشعر والرواية، كرمز من رموز الشعر الموريتاني المعاصر، وأحد الآباء الكبار للرواية العربية الصحراوية، حتى قدمه البعض على أنه من رواد قصيدة التفعيلة، وفي الرواية اعتبروه الأب الشرعي للرواية الموريتانية.
اختيرت روايته (القبر المجهول) الصادرة عام (1982) ضمن أفضل (100) رواية صدرت حتى نهاية القرن العشرين من قبل اتحاد الكتاب العرب. وهو الأديب الموريتاني الوحيد المترجم في الموسوعة الإنجلوسكسونية، كما ترجمت جزءاً من أعماله إلى بعض اللغات الحيّة. ومثّلت روايته (الأسماء المتغيرة)، أول رواية صدرت في موريتانيا عام (1981) وتبدو لهذه الرواية دلالة زمانية ومكانية مرتبطة بالموروث الاجتماعي الموريتاني.
وكتب عنه عائد عميرة: أحد أبرز الأدباء الموريتانيين الذين جمعوا بين الإبداع الشعري والرواية، وقيل عنه إنه عشق الشعر إلى حد الهيام، ومارسه إلى حد الإدمان، وأبدع فيه إلى حد التألق والنجومية. واعتبره محمد ولد احظانا أنه أبدع في وصف سلوك الإنسان الصحراوي. كما وصفه محمد ولد سالم بقوله: إنه قامة التأسيس وشاعر الوطن والتحرير، ورائد الشعر ورائد الرواية.
وامتاز شعر ولد عبدالقادر بالحس الوطني العروبي فكان صوت (شنقيط) في أغلب المحافل العربية، ومثل وطنه خير تمثيل، واعتبر أيضاً أحد الآباء الكبار للرواية العربية الصحراوية، كونه ولد في بادية بوتلميت بولاية الترارزة بالجنوب الغربي الموريتاني، عام (1941) حيث بدا تأثره جلياً ببيئته الملهمة، فلطالما شكلت الصحراء فضاء كونياً قادراً على إيجاد مساحة متسعة للتواصل مع الذات وكافة العوالم المحيطة بنا، أو ما عرف بأدب الصحراء، ليمثل نقطة التقاء بيننا وبين هذه الفضاء الأسيري، ومنهم من اقترن اسمه بهذا الأدب كالروائي الليبي إبراهيم الكوني وغيره من الأسماء.
كذلك الحال في موريتانيا؛ فقد كان الأمر أكثر ألفة واقتراناً بالبادية كونها المحيط الكوني لهذه البقعة الوضاءة من تاريخنا الأدبي قديماً وحديثاً، ليبرز اسم شاعرنا وكاتبنا كأحد هذه الأسماء التي أعطت للصحراء قدرها ومساحتها في أدبه ونتاجه الإبداعي، كما هي الحال في روايته "القبر المجهول" التي تعكس واقع العادات والتقاليد الموريتانية، كما تكشف بأسلوب رمزي عن العلاقة الوطيدة بين مجتمع "الزمر"، والبنية النفسية والاجتماعية للمجتمع المدني، والتي استلهمها عبدالقادر من وحي بيئته، من خلال قبر في الصحراء أظهر لنا خبايا الطبقة الفقيرة والألاعيب المجتمعية.
نشأ ولد عبدالقادر في وسط علمي وأدبي عرف بكثرة الشعراء والأدباء، مما كان له أثره في نشأته الأدبية، ودرس في المحاظر (الكتاتيب) في الفترة 1946-1954، فقرأ القرآن الكريم، وبعض المتون الابتدائية في الفقه الإسلامي والنحو، إلى جانب بعض دواوين الشعر الجاهلي، والسيرة النبوية، وأيام العرب، وعلمي البيان والمنطق، كما درس الفقه المالكي، وفي الفترة 1962-1965 درس في معهد الدراسات الإسلامية في بوتلميت ليتخرج معلما، وفي الفترة 1980-1983 التحق بمعهد تيبنغن بألمانيا للتدريب على حفظ الآثار المخطوطة والاشتراك في إصدار فهرس للمخطوطات الموريتانية.
وعمل مدرساً في المدارس الابتدائية بين عامي 1965 و1972، وتولى في الفترة نفسها رئاسة تحرير جريدة "الواقع" التي كانت تصدرها نقابة المعلمين الموريتانيين، ورئاسة تحرير نشرة "موريتانيا الفتاة" السرية التي كان يصدرها فرع حركة القوميين العرب في موريتانيا، كما عمل باحثاً في مجال الآثار والمخطوطات في المعهد الموريتاني للبحث العلمي بين عامي 1975 و1985، ثم تولى رئاسة المحكمة العليا (أعلى منصب قضائي في موريتانيا) في الفترة 1987-1988، قبل أن يصبح مستشاراً برئاسة الجمهورية مكلفاً بالثقافة.
وهو عضو اتحاد المؤرخين العرب، وله حضور بارز في المشاهد الثقافية العربية في العراق والشام والخليج. ترأس منتدى المعرفة، وكان الأمين العام لاتحاد الأدباء الموريتانيين بين أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، كما كان مشاركاً فاعلاً في كل المؤتمرات الثقافية العربية، وحضر مؤتمرات اتحاد الأدباء العرب من عام 1977 إلى 1990، وفاز بجائزة شنقيط للآداب والفنون سنة 2002 من خلال ديوانه الكوابيس، وهي أعلى جائزة تمنح في موريتانيا للمبدعين.
ولأن الشعر يمثل هوية وطنية للموريتانيين فهو بحسب قولهم (إن في قلب موريتانيا فراغاً لا يسده إلا الشعر) كان لشاعرنا وأديبنا أحمدو ولد عبدالقادر بصمة مميزة في مضمار القريض، فالشعر كما قال عنه في إحدى تصريحاته الصحفية: بأن الحركة الشعرية في موريتانيا هي وليدة المحظرة (وهي المدرسة البدوية التي تخرج منها العلماء والأدباء الشناقطة)، وقد بدأت هذه الحركة بالاتصال بحركة الشعر العربي الحديث متأخرة في سنة (1964) بدءاً بدواوين أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، وجبران خليل جبران، والبياتي، ونازك الملائكة، وبدر شاكر السياب ومحمود درويش.. وخلال الفترة التي تلت ذلك شهدت الحركة الشعرية في موريتانيا قفزة كبيرة نحو الحداثة، ويمكن القول إن جميع تيارات المدرسة الشعرية في المشرق العربي موجودة في موريتانيا باستثناء قصيدة النثر التي لم تجد صدى لها في موريتانيا رغم أن شعراء هذه القصيدة، وخاصة إبراهيم ولد عبد الله، كتبوها بشكل جميل، إلا أن الساحة لم تتقبلها.
ومن خلال ما تقدم نتعرف على مدى ارتباط ولد عبدالقادر بالشعر ونلمس ذلك من خلال بوحه الشعري الذي ينم عن تجربة صادقة وحس مرهف وعاطفة جياشة ونفس تبحث عن الجمال في كل ما تقع عليه عيناه:
وادي الأحبة هلا كنت مرعانا
إن الحبيب حبيب حيثما كانا
ويا أخا البعد هل تشقيك قافية
تبوح بالنفس أنفاساً وأشجانا
أفٍّ على الشعر والدنيا بأجمعها
ما لم يقرب إلى الإخوان إخوانا
هون عليك فذاك الشمل مجتمع
والنجع لاقى على التحنان خلانا
صدر للأديب أحمدو ولد عبدالقادر الكثير من الأعمال الأدبية نذكر منها: في الروايات (الأسماء المتغيرة 1981) و(القبر المجهول 1984) و (العيون الشاخصة 1999)، أما في الشعر فنذكر أيضاً: ديوان (أصداء الرمال 1981) وديوان (كوابيس 2000) والمجموعة الشعرية (2014).
التعليقات