اللعب لغة عالمية
العدد 164 - 2025
صعوبات التعلم هي التحديات التي تواجه الطلاب ضمن العملية التعليمية، والتي تتمثل في الفهم، أو التفكير، أو الإدراك، أو الانتباه، أو القراءة، أو الكتابة، أو التهجي، أو النطق، أو إجراء العمليات الحسابية أو في المهارات. كما تشمل حالات صعوبات التعلم كلاً من ذوي الإعاقة العقلية والمضطربين انفعالياً والمصابين بأمراض وعيوب السمع والبصر وذوي الإعاقات الجسدية . وتشير الدراسات العلمية أن صعوبات التعلّم تتولد نتيجة الاضطرابات العصبية التي تؤثر في وظائف الدماغ الاعتيادية، وتتسبب بخلق عوائق تعليمية مختلفة للأفراد الذين يعانون من هذه الصعوبات، كما يمكن أن تؤثر على حياة الفرد خارج النطاق الأكاديمي كعلاقاته مع العائلة والأصدقاء وزملاء العمل.
وقد سعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى إصدار التشريعات ووضع السياسات التي تدعم الطلاب الذين يعانون من صعوبات التعلم؛ حيث أشارت دراسة بحثية متخصصة نشرتها جامعة الإمارات أن حوالي 18% من إجمالي عدد الطلبة يعانون من صعوبات في التعلم ؛ فأصدرت القانون الاتحادي رقم 29 لسنة 2006 بشأن حقوق المعاقين، ونص على أن الهدف منه هو كفالة حقوق المعاق، وتوفير جميع الخدمات في حدود ما تسمح به قدراته وإمكاناته، وأنه لا يجوز أن تكون الإعاقة سبباً يحول دون تمكن المعاق من الحصول على تلك الحقوق والخدمات في مجال الرعاية والخدمات الاجتماعية والاقتصادية والصحية والتعليمية، كما نص القانون على أن تلتزم وزارة التربية والتعليم باتخاذ الإجراءات المناسبة، بالتعاون مع الجهات المعنية لتوفير التشخيص التربوي والمناهج الدراسية والوسائل والتقنيات الميسرة لأغراض التدريس، وأن تعمل على توفير طرق بديلة معززة للتواصل مع المعاقين، ووضع استراتيجيات بديلة للتعلم، وبيئة مادية ميسرة لكفالة المشاركة التامة للطلاب المعاقين.
وعلى الصعيد الدولي انضمت الدولة إلى اتفاقية حقوق الطفل في مارس 2010 ، والتي تؤكد حق الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم في الحصول على تعليم مناسب يلبي احتياجاتهم؛ حيث ألزمت الدول بإتاحة التعليم للجميع دون تمييز، بما في ذلك الأطفال الذين يعانون من صعوبات تعلم، وتوفير وسائل تعليمية بديلة، ودعم تربوي خاص لهم (المادة 28)، وأن يكون التعليم موجهًا نحو تطوير قدرات الطفل وفقًا لإمكاناته، إضافة إلى توفير بيئة تعليمية مرنة تلائم احتياجات الأطفال ذوي صعوبات التعلم (المادة 29). وعلى أثر ذلك راعت دولة الإمارات عند إصدار قانون حقوق الطفل (وديمة) حق جميع الأطفال في التعليم - بما في ذلك الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم -؛ حيث يؤكد القانون توفير فرص تعليمية متساوية لجميع الأطفال دون تمييز.
وعلى مستوى السياسات، أطلقت الحكومة السياسة الوطنية لتمكين أصحاب الهمم، وأشارت في محور التعليم إلى تطوير نظام تعليمي دامج في مجالات التعليم العام والمهني والعالي، وتوفير معلمين ومختصين في مختلف الإعاقات والمراحل . كما أنشأت الحكومة في 2021 المركز الوطني للتشخيص والتقييم؛ ليختص بالكشف عن حالات الإعاقة والتأخر النمائي. بالإضافة إلى اعتماد سياسة التعليم الدامج بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم . وفي ذات السياق أطلقت وزارة التربية والتعليم "وحدة حماية الطفل" التي تعمل على حماية حقوق الطلاب في المؤسسات التعليمية بما في ذلك حقهم في الحصول على تعليم مناسب، ودعم خاص عند الحاجة.
كما حظي الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعلم بدعم المجلس الوطني الاتحادي من خلال ممارسته لدوره التشريعي والرقابي؛ فقد ساهم المجلس في دراسة ومناقشة قانون ذوي الإعاقة في عام 2006 وكذلك قانون الطفل "وديمة" في عام 2016، وأكد على ضمان الدولة توفير فرص تعليم متساوية ومناسبة لأصحاب الهمم، بما في ذلك الأطفال الذين يعانون من صعوبات التعليم، وتوفير برامج تعليمية خاصة ومناهج مناسبة لهم. وعلى صعيد ممارسته لدوره الرقابي، فقد ناقش المجلس موضوعاً عاماً بشأن "سياسة وزارة التربية والتعليم" وأوصى بضرورة الاستفادة من المعايير والمؤشرات والممارسات الدولية بدمج الطلبة، الذين يعانون من صعوبات التعلم وغيرهم مع أقرانهم الأسوياء في جميع المراحل التعليمية، وتأهيل المعلمين من خلال دورات تدريبية متخصصة للتعامل معهم مهنيًا ونفسيًا، كما طرح أعضاء المجلس عدة أسئلة حول مدى جاهزية المدارس لاستقبال ودمج هذه الفئة من الطلبة، وأهمية دمجهم ضمن مسار النخبة.
ومن جانبنا نرى أنه وإن كانت صعوبات التعلم تُعد تحديًا يواجه بعض من الطلاب، لكنها ليست عائقًا أمام نجاحهم إذا توفرت لهم بيئة تعليمية دامجة، واستراتيجيات تدريس متخصصة ودعم واعٍ من الأسرة والمجتمع؛ فلكي تجني جهود الدولة ثمارها يجب العمل بطريقة شاملة لعنصرين أساسين: العنصر الأول هو الأسرة، فهي الفاعل الرئيسي للتعامل مع صعوبات تعلم الطفل؛ حيث إن مدى معرفة أولياء الأمور وإدراكهم وتقبلهم بأن أبنائهم يعانون من صعوبات في التعلم يمثل نصف العلاج، فالكشف المبكر لصعوبات التعلم وتقبلها يأتي في المرتبة الأولى، وعليه يسهل التعامل معها والبحث في طرق حلها، حيث يبدأ تشخيص حالة الطفل ومعرفة نوع صعوبة التعلم التي يعاني منها بطريقة تتماشى مع الطرق والمعايير العلمية، كما أن المتابعة المستمرة مع الأسرة، والتقييم الدوري لمستويات الأطفال الأكاديمية ومدى تحسنهم، تعد من العوامل الأساسية في دعمهم.
وعلى صعيد البيئة المدرسية، وهي العنصر الثاني الذي يجب التعامل معه، لا بد من وجود اختبارات للقدرات في المدارس الحكومية للكشف عن صعوبات التعلم مبكرًا، مما يسهل على الطلاب في بداية مراحل تعلمهم الحصول على التعليم المناسب لهم، ووضع مناهج وأساليب دراسية متطورة تتناسب مع حالاتهم المختلفة، وخطط واضحة تراعي احتياجاتهم الفردية. كما يجب أن يكون المعلم مؤهلًا أكاديميًا ووظيفيًا للتعامل مع هذه الفئة من الطلاب، فضلاً عن ضمان أن تكون البيئة المدرسية مجهزة بشكل كافٍ يدعم الطالب والمعلم في تخطي الصعوبات، ودمجهم مع بقية الطلاب.
فالتعليم حق للجميع، والتحديات لا يجب أن تكون حاجزًا، بل دافعًا للابتكار وتحقيق النجاح لأبنائنا.
التعليقات