قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع

أكد الكثير من المختصين أن قصص الأطفال تظل أكثر تأثيرًا ودفئًا من محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، لما تحمله من قيمة إنسانية وتواصل حميمي مع الطفل، مؤكدين أن الأبوين هما البوابة الأولى لغرس حب القراءة، وأن الكتاب لا يزال الوسيلة الأصدق في بناء الخيال وتنمية المشاعر والقدرات الذهنية في مرحلة الطفولة. كما تم تقديم عدة ندوات وورش ناقشت أهمية القراءة بالنسبة للطفل، وذلك ضمن فعاليات الدورة الـ16 من مهرجان الشارقة القرائي للطفل.

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
الكاتبة السورية/ لينة الدسوقي
منصة للخيال والتشافي

أكدت الكاتبة السورية لينة الدسوقي أن قصص الأطفال تقدم مساحة حميمية للتواصل مع الطفل، تختلف تمامًا عن المحتوى الرقمي المتداول على منصات التواصل الاجتماعي، مشيرة إلى أن الكتاب يمثل وسيلة فعالة لتشكيل شخصية الطفل وتعزيز خياله. واستشهدت بمقولة شهيرة لأينشتاين: "إذا أردت أن يكون طفلك ذكيًا فاقرأ له قصصًا خيالية، وإذا أردته أكثر ذكاءً فاقرأ له المزيد منها".

وأضافت أن القصص تمنح الطفل أدوات التفكير النقدي، وتحفّز خياله ومهاراته في حل المشكلات، كما تساهم في تشافي الأطفال الذين مرّوا بتجارب نفسية أو مجتمعية صعبة، لتكون القصة أكثر من مجرد ترفيه، بل وسيلة تربوية ذات أثر طويل المدى.

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
الكاتبة والناشرة الكينية/ موثوني غارلا
القراءة تبدأ قبل الميلاد

بدورها، تحدثت د. أماني الناجم، المتخصصة في الطفولة المبكرة، عن أهمية القراءة كأداة لتحفيز الحواس وتعزيز الارتباط العاطفي بين الطفل وأسرته، مشيرة إلى أن القراءة تبدأ منذ الحمل، وأن الجنين يسمع أصوات المحيط، ما يجعل قراءة القصص وسيلة لتهيئة الطفل مبكرًا للتعلم والتفاعل. وأكدت أن ارتباط الطفل بالكتب في سنواته الأولى يسهم في تشكيل وعيه اللغوي والعاطفي، موضحة أن اختيار القصة المناسبة يجب أن يراعي اختلاف الأعمار ومستوى الفهم.

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
الكاتبة البريطانية/ هانا لي
القصص تبني الذاكرة

من جهتها، عبّرت الكاتبة البريطانية هانا لي عن اعتقادها الراسخ بأن لا شيء يحلّ محل القصص الحقيقية والكتب الورقية، التي تُعدّ مصدراً أصيلاً للتعلّم، وقالت: "منذ طفولتي كنت شغوفة بالقصص والتاريخ، وكانت الكتب تصحبني في فهم الفشل والنجاح، وتمنحني طرقًا لتجاوز التحديات". ورأت أن القصة هي الأداة الأقوى في بناء ذاكرة الطفل، وتوسيع إدراكه للعالم، وتنمية مشاعره وخياله.

الكتاب المناسب

وفيما يخص اختيار الكتاب المناسب للقراءة، أكدت متخصصات في شؤون أدب وثقافة الطفل أن طفل اليوم يختلف عن طفل الأمس في العديد من الاهتمامات، لا سيما موضوع القراءة، فما ناسب أطفال الأمس منها لم يعد يناسب طفل اليوم للتغيير الكبير والمتسارع الذي يشهده العالم في مختلف المجالات بعد ثورة الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي والذكاء الاصطناعي.

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
كولين نيلسون
منح الطفل حق اختيار ما يقرؤه

استهلت كولين نيلسون حديثها بالقول: "إن اهتمامات القراءة لدى الأطفال تتغير مع تقدّمهم في السن، وهذا ناتج من خبرتي كأمينة مكتبة، كما قمت بتدريس الطلبة من سن 4 إلى 14 عاماً، وهو ما ساعدني في معرفة اهتماماتهم، وبالتالي مكّنني من إرشادهم للكتاب المناسب لميولهم واهتماماتهم".

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
الأديبة الهندية / سامينا ميشرا

من جهتها قالت الأديبة الهندية سامينا ميشرا :"إنه وبحكم أن الأطفال يعيشون مراحل عدة في حياتهم، تفرض عليهم أنواعاً مختلفة من التفكير والتصرفات، فإني أؤكد أنه يجب منح الطفل حق اختيار ما يقرؤه، وقد راعيت ذلك من خلال عدد من مؤلفاتي، وأعتقد أن الطفل قادر على فرض نفسه، وتحديد خياراته، ويتمتع بقدر من الذكاء الذي يتيح له اختيار ما يشاء".

تكييف الحكايات الخرافية مع روح العصر

بدورها، بينت الدكتورة أحلام نويوار: "إن إتاحة الحرية للطفل فيما يقرأ سيقوده نحو الشغف بالقراءة، وهذا ما يجب أن نهتم به، ومن أجل دعمنا لهذا الأمر أرى أهمية فسح المجال واسعاً أمام الحكايات الشعبية والخرافية، التي يتعين أن يتم إعادة تكييفها مع المتغيرات العصرية، لتعطي نتائج إيجابية ومذهلة".

السرد القصصي والدعم النفسي

كما أكد خبيرتان نفسيتان متخصصتان في دعم الأطفال والناشئين، أن السرد القصصي يمثل أداة فعالة لمعالجة الصحة الذهنية وبناء جيل يتمتع بالصلابة النفسية، مشيرتين إلى أن الأبطال الملهمين يمنحون الأطفال الأمل والقوة، مما يستدعي استثمار قوة القصص لبناء مجتمع أكثر صحة وسعادة، وأن على المجتمع أن يحترم ذكاء اليافعين ونضجهم، وأن التبسيط في خطابهم لا يعني الابتذال بل الوضوح والدقة.

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
الدكتورة / أسماء علاء الدين
ضغوط مهددة للأجيال الناشئة

واستهلت الدكتورة أسماء علاء الدين حديثها بتسليط الضوء على الضغوط اليومية التي يواجهها الطلاب، مشيرة إلى أن الواجبات المدرسية، والامتحانات، والتنافس المستمر تجهد الطلاب يومياً، وتفرض عليهم ضغوطاً نفسية متزايدة، كما تطرقت للحديث عن التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث أوضحت أن "المقارنات المستمرة، والتنمر الإلكتروني، والمعلومات المضللة تؤثر سلباً في الصحة النفسية لليافعين والشباب".

كذلك أكدت علاء الدين أن العلاقات الشخصية المتقلبة وضغوط الأقران تدفع اليافعين إلى مواقف معقدة، مما ساهم في ارتفاع معدلات القلق والاكتئاب بنسبة 25% خلال جائحة كوفيد-19، وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، وعليه فإنها شددت على أهمية تمكين الشباب من التغلب على التنمر واكتشاف قوتهم الذاتية.

كما دعت الدكتورة أسماء علاء الدين إلى استخدام لغة بسيطة وملائمة للأعمار المختلفة، مع الابتعاد عن التعقيد، واعتماد أسلوب مرح يركز على المشاعر، مؤكدة أن "السرد القصصي أداة فعالة لمعالجة الصحة الذهنية وبناء جيل يتمتع بالصلابة النفسية"، داعية إلى دمج القصص المؤثرة في المناهج الدراسية وإطلاق فعاليات وورش عمل ومنصات رقمية تواكب تطلعاتهم، وختمت بقولها: "الأبطال الملهمون يمنحون أطفالنا الأمل والقوة؛ فلنستثمر قوة القصص لبناء مجتمع أكثر صحة وسعادة".

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
الكاتبة / نيكولا مورغان
العصر الرقمي والعلاقات الإنسانية

من جهتها، تناولت الكاتبة نيكولا مورغان التحولات العميقة التي طرأت على العلاقات الإنسانية في العصر الرقمي. وقالت: "في الماضي، كانت مصادر التأثير في حياة الأفراد محدودة للغاية، تقتصر غالباً على ما يرونه في منازلهم أو مدارسهم أو مجتمعاتهم القريبة، أما اليوم، ومع الانفتاح اللامحدود عبر الإنترنت أصبح الأطفال والكبار عرضة لسيل متدفق من الأفكار والنماذج والصور حول كيف ينبغي أن نبدو، وكيف ينبغي أن نعيش، وما الذي يجب أن نرغبه أو نصادقه"، مشيرة إلى أن الكثير من هذا المحتوى "قد لا يكون حقيقياً، بل أحياناً مصطنعاً أو حتى مزيفاً بالكامل، خاصة مع تطور الذكاء الاصطناعي".

وقالت مورغان: "يمكن لأي شاب أن يتعرض بشكل مباشر وغير منظم إلى كميات هائلة من المحتوى، بعضه صحيح وبعضه بعيد تماماً عن الواقع، مما يضاعف الحاجة إلى الحوارات الحقيقية مع الأسرة والمعلمين".

كتابة تحترم ذكاء اليافعين

وفي حديثها عن تجربتها الأدبية، شدّدت مورغان على أهمية مخاطبة اليافعين واحترام ذكائهم ونضجهم، قائلة: "أنا أكتب لهم كما أكتب للكبار الذين لا يعرفون كل شيء بعد"، مؤكدة أن التبسيط لا يعني الابتذال، بل الوضوح والدقة، وأشارت إلى أن أعمالها غير الروائية التي تناولت قضايا مثل القلق وضغوط المراهقة وبناء المرونة حرصت على تقديم المعرفة بأسلوب علمي شفاف يحفّز القارئ على الفهم والنمو دون وصاية.

القصص لا يجب أن تعظ

أما عن رواياتها التخيلية، فرفضت مورغان اعتبار القصص وسيلة للوعظ المباشر، موضحة: "لم أكتب رواياتي لإيصال رسائل أخلاقية أو دروس مباشرة، بل سعيت إلى أن يعيش القارئ تجربة قصصية تحفزه على التفكير والشعور والتساؤل". وأكدت أن القصص، حتى وإن طرحت مواضيع داكنة، "تحمل أملاً في النهاية وتفتح نافذة نحو التغيير والنمو".

قصص قبل النوم

أكدت مختصتان في مجالي أدب وحقوق الطفل، أن انشغال الآباء في الآونة الأخيرة يعد السبب الرئيس وراء تراجع تقليد سرد القصص قبل النوم، إلا أنهما أكدتا أهمية تلك القصة كـ"بلسم شافٍ" للطفل يؤثر على نفسيته ويخلق علاقة عاطفية قوية مع والديه، كما يمنحه الإحساس بالأمان.

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
الكاتبة الكندية من أصل باكستاني/ روخسانا خان
انشغال الآباء

وقالت الكاتبة الكندية من أصل باكستاني، روخسانا خان، الفائزة بجائزة عالمية في مجال السرد القصصي، إن القصص تُعد من الأشياء التي تُسعد الأطفال في كل الأوقات، لكن ما نلاحظه في الآونة الأخيرة هو أن الآباء باتوا مشغولين أكثر من أي وقت مضى، لذلك فهم يُحضرون الألعاب لكنهم لا يتقاسمون مع أطفالهم القصص الثقافية والحكايات الشعبية التي تقدّم للأطفال الحكمة اللازمة لتشكيلهم في بداية حياتهم.

وأضافت: "هناك بعض القصص التي تحكي عن صراعات لأميرٍ وأميرة، وبالتالي فإن الطفل يمر مع الحكاية بكل هذه الأوقات الصعبة حتى يصل إلى المسار الصحيح في النهاية، وهنا تظهر أهمية القصص في ترسيخ القيم الإيجابية".

وأكدت روخسانا خان، أن بدون القصص يضيع الأطفال، لذلك علينا ضبط التوقيت وتخصيصه للأطفال وسط انشغالاتنا المستمرة، لاسيما وأن القصص تهدئ الطفل وتخفف عن عقله وذهنه وتؤكد له أن كل شيء على ما يرام في هذا العام، مشددة على أن القصص مهمة جداً لأنها تساعد الأطفال على التنفس بعمق والتفاعل بسهولة مع الوالدين.

وعن آلية سرد الحكاية، قالت: "يجب أن نفكر كآباء من منظور الطفل، وبالتالي لابد من تقديم الحكاية بأسلوب بسيط قابل للفهم، لأنها وسيلتهم للوصول إلى العالم من حولهم واكتساب اللغة والتفاعل مع الوالدين؛ بل والتنبؤ بما سيحدث في القصة، وهو ما ينمّي التفكير لديهم."

قصص الأطفال بناء للخيال ودعم للواقع
خبيرة حقوق الأطفال من دولة ليبيا/ آمال الهنقاري
التأثير النفسي لحكاية ما قبل النوم

بدورها، قالت آمال الهنقاري، خبيرة حقوق الأطفال من دولة ليبيا، إن الحكاية مرتبطة بذهن الأطفال والكبار، وقد كنا صغاراً وتوّاقين للحكاية؛ فحكاية ما قبل النوم هي بلسم شافٍ للطفل، خاصةً إذا اعتاد عليها لأنها مصدر طمأنينة ومحبة بينه وبين والديه، إذا حرصا على إعطاء وقت لأطفالهما.
وأضافت: "طبيعة الطفل تميل إلى الحنين إلى حضن أمه، وخصوصاً لو كان بجانبه رواية جميلة ممتعة، فحينها سيكون هذا العمل أحد العوامل المؤثرة في نفسه، ومن هنا تبرز أهمية حكاية ما قبل النوم."

وشرحت أن اختيار الأب أو الأم للقصة دائماً ما يكون مرتبطاً بقيمة يرغبان في غرسها بالطفل، مع ترك مجال لخياله للتفكير، خاصة إذا كانت تروى بطريقة مشوقة مثل تغيير نبرة الصوت تماشياً مع الأحداث والشخصيات. وحينما تُقدّم القصة بهذا الشكل تكون من القلب إلى القلب وتصل بسرعة ويكون تأثيرها جيداً ومتكاملاً.

وأشارت الهنقاري إلى أنه في ظل كل ما يحيط بالأطفال من انشغال الآباء وتأثير للتكنولوجيا، أصبحنا غرباء إلى حد ما داخل بيوتنا؛ لكن عندما يكسر الأب أو الأم هذا الفراغ باحتواء الأطفال عبر تقديم حكاية لطيفة سواءً من التراث أو عصرية، فهذا يضيف معلومة وقيمة للطفل ويعزز الارتباط الأسري بين الطفل ووالديه، وخاصةً في سنوات عمره الأولى.

التعليقات

فيديو العدد