الترجمة بين جسر الثقافة وحدود القيم
العدد 162 - 2025
في عالم متداخل تسقط فيه الحواجز الجغرافية أمام سطوة الكلمة، تظل الترجمة أداة رئيسة للتقارب الإنساني والتبادل الثقافي. ومع إيماننا العميق بأهمية الترجمة في بناء الجسور بين الحضارات، تبرز تساؤلات ملحّة حول حدود هذا التقارب، خاصة عندما تصطدم بعض المضامين المترجمة بثقافة المجتمع وقيمه. فهل تُعد أمانة النص أولوية مطلقة، حتى لو خالفت قيم المتلقي؟ وهل يمكن تعديل النصوص دون أن تفقد روحها ورسالتها الأصلية؟ وكيف يمكن التعامل مع اعتراض المؤلف أو الناشر الأصلي عند محاولة تكييف النص للبيئة العربية؟
في هذا التحقيق، تسلط "مرامي" الضوء على هذه الإشكالية الفكرية والثقافية، مستنيرة بآراء نخبة من المثقفات المغربيات من خلفيات أكاديمية ومهنية متعددة:
الدكتورة غزلان الشرايبي – أكاديمية وباحثة: “سؤال بالغ الأهمية، لأنه يُسلّط الضوء على التوتر الدائم بين الأمانة للنص الأصلي من جهة، وخصوصية الثقافة المستقبِلة من جهة أخرى. برأيي، الترجمة ليست مجرد نقل لغوي حرفي، بل هي فعل ثقافي وفكري يتطلب وعياً عميقاً بالسياقين: سياق النص وسياق المتلقي".
وتضيف د. الشرايبي: "عندما تتنافى بعض تعبيرات النص مع القيم المجتمعية، فإن التحدي لا يكون في تجاوزه، بل في تجسيره بذكاء وصدق. وهنا أقترح ما أسميه “الترجمة المسؤولة”، التي تحافظ على جوهر الفكرة وتراعي الحس الثقافي في اختيار الصياغات، دون تشويه الرسالة الأصلية".
وختمت الدكتورة غزلان حديثها قائلة: " أما اعتراض المؤلف أو الناشر، فينبغي التعامل معه بالحوار الشفاف. فالتفاهم على ضرورة التكييف الثقافي قد يُفضي إلى توافق يحفظ جوهر الرسالة ويُراعي هوية المتلقي. الترجمة الناجحة تُعلي من المعنى لا من الحرف".
د. غيثة الخياط – أخصائية نفسية وكاتبة ومحررة: تحدثت قائلة: "أرى أن هناك ضرورة إنسانية ملحّة لتعزيز الترجمة بين الثقافات لتشجيع العولمة المتوازنة. غير أن جودة الترجمة تتطلب مترجمين ذوي كفاءة عالية، يجيدون التعامل مع الفروق الثقافية الدقيقة".
كما أوضحت الدكتورة الخياط: "إذا كانت الأفكار المترجمة بعيدة جدًا عن قيمنا، فإما أن نمتنع عن نشرها، أو نثق بأن قوتنا الثقافية كفيلة بعدم التأثر السلبي بها. الترجمة مسؤولية، لكنها لا تعني أن نفتح الأبواب دون وعي. علينا مواجهة التحديات بإنشاء مدارس ترجمة عالية المستوى، خاصة في ظل التهديدات التي تفرضها الترجمات الآلية اليوم".
وصرحت الدكتورة غيثة: "رغم التحديات، أؤمن أن جذورنا الثقافية متينة بما يكفي لحمايتنا من الذوبان في ثقافات أخرى".
الدكتورة نزهة حيكون – أستاذة جامعية وباحثة: قالت: "الترجمة ركيزة من ركائز التواصل الحضاري، لكنها مسؤولية ثقافية تتجاوز النقل الحرفي. حين يصطدم النص المترجم بقيم المجتمع، يبرز السؤال: هل نُقدّم النص كما هو؟ أم نُراعي الخصوصية الثقافية؟ برأيي، لا يمكن أن تكون الترجمة أداة لخلق صراع قيمي".
وأكدت د. حيكون،قائلة: "رفض المؤلف لأي تعديل قد يُعقّد المهمة، لكن ذلك لا يمنع من التفاهم والحوار. فالتواصل الإنساني لا يُبنى على فرض النصوص كما هي، بل على الترجمة الواعية التي تُراعي الفروقات وتحافظ على الرسالة دون تشويه".
وأضافة الدكتورة نزهة : "أقترح تقديم هوامش تفسيرية أو مقدمات تُمهّد للقارئ التباينات الثقافية المحتملة. فالترجمة لا ينبغي أن تكون تنازلاً عن الهوية، بل جسرًا يبنى على التفاهم والاحترام المتبادل".
التعليقات