المرأة العربية .. من الافتراضي إلى الواقعي

المرأة العربية .. من الافتراضي إلى الواقعي
المرأة العربية .. من الافتراضي إلى الواقعي

لا شك أن شبكات التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها أصبحت حقيقة لا يمكن إنكارها، ليس فقط لأنها فرضت واقعًا جديدًا بل لأن مرتاديها أصبح لديهم قدرة فائقة على تشكيل صورهم على النحو الذي يرغبونه، بل ويتفاعلون مع بعضهم البعض عبر هذه الصور، ومن هنا أصبح لدى البعض حاجات لا يمكن إشباعها إلا من خلال تفاعلاته مع هذا الواقع الافتراضي الذي باتت لعلاقاته الافتراضية الأولوية على حساب علاقاتنا الحقيقية.

انطلاقًا من هذا التأكيد، إضافة إلى ما كشفه التقرير العالمي لحقوق الإنسان من أن أكثر من 2 مليار مستخدم يرتادون مواقع التواصل الاجتماعي يوميًا، وأن 74% منهم من الإناث.. جاء البحث المقدم من هاجر محمد إسماعيل لنيل درجة الدكتوراه من قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة سوهاج المصرية تحت عنوان (اعتماد المرأة على المجموعات النسائية في الفيس بوك وتأثيره على سلوكها الاجتماعي) تحت إشراف كل من أ.د/ مديحة أحمد عبادة أستاذ علم الاجتماع بالكلية، والدكتورة سحر محمد وهبي أستاذ الإعلام المساعد بالكلية.

حيث أكدت أنه في هذا العالم الرقمي ومن خلال صفحات "الفيس بوك" و"المدونات" تحررت المرأة أكثر مما كانت عليه، بعد أن أتاحت التكنولوجيا الرقمية لها التعبير عن آرائها ومناقشة قضاياها بجرأة ودون الخوف من المحاسبة، كما مكنتها من أن تنتج أفكارًا وتنشئ حوارات وتبادلات في محاولة لتجاوز النسق الثقافي التقليدي الذي ظلت سجينة مبادئه وأدواته سنوات وسنوات.

وفي تأكيد على سعي المرأة الدائم للبحث عن ذاتها وتأكيد وجودها وتعزيز قدراتها كان التساؤل الذي وجهته الباحثة إلى عينة البحث والتي حددتها بـ 300 امرأة سوهاجية مصرية.. ماذا لو وضعنا امرأة بجانب جهاز حاسوب مزود بالإنترنت؟

تصفح البريد الإلكتروني كان أول ما أجمعت عليه عينة البحث عند التعامل مع أدوات التكنولوجيا الحديثة (الإنترنت)، يليه تصفح مواقع التواصل الاجتماعي حسب الأولوية (فيسبوك، تويتر وإنستجرام)، وبعدها أتت الموضوعات النسائية كالتجميل، العناية بالبشرة، الموضة والأناقة، النصائح الصحية، وبعدها وصفات الطبخ، ثم تصفح الجرائد والمجلات الإلكترونية.

كما أكدت الكثيرات على استفادتهن بشكل مباشر وذلك بإنشاء مشاريع مصغرة وإدارتها من المنزل، خاصة تلك المتعلقة ببيع بعض السلع أو الترويج لمشغولاتهن اليدوية، كبيع الحلي والإكسسوارات والتطريز، أو تحضير الوجبات المنزلية والحلويات لمختلف المناسبات.

وعلى الرغم مما أثبتته الدراسة أيضًا من أن النساء يسجلن في المنتديات والمدونات ما في جعبتهن، مثل أن تنشر خبر ترقيتها في عملها، أو توثيق سعادتها بأول مولود عن طريق تحميل الصورة على ملفها الشخصي، إلا أن المواضيع الأسرية والعلاقات أتت في آخر الترتيب.

ومن هنا تؤكد الباحثة أهمية استغلال كثافة التعامل مع تلك المواقع في إعادة صياغة الأدوار الاجتماعية للمرأة في الواقع، والعمل على تغيير الصورة الذهنية عن إمكانيات النساء وذلك بالتعبير عن أفكارهن والتأكيد على هويتهن، بل وتعزيز قدراتهن على التحايل والالتفاف على الأطر الثقافية والعادات والتقاليد، ذلك من خلال رصد خبايا المجتمع التي لم يكن الوصول إليها بالطرق التقليدية متاحًا، وبذلك تكون تلك المواقع المتاحة للرجال والنساء دون تمييز قد شكلت منفذًا ومتنفسًا وحيدًا أمام النساء، للتعريف بحقوقهن وواجباتهن على حد سواء.

حتى إننا نستطيع القول بأنه في الوقت الذي استخدمت فيه الجماهير الإنترنت للدفع باتجاه تغيير النظام، استخدمت النساء أيضًا شبكة الإنترنت لمواجهة النظام الأبوي والمطالبة بحقوق متساوية، من اليمن إلى تونس، ومن حلب إلى القاهرة.

المرأة العربية .. من الافتراضي إلى الواقعي

ومن هنا ترى الدكتورة "هاجر" أنه على الرغم من وصفه بالافتراضي، إلا أنه يمكن اعتماده تجسيدًا مبسطًا لعالم واقعي بمختلف تنوعاته وقضاياه المطروحة، في ظل قدرة سكانه على نقل فعلهم من الافتراضي إلى حدث واقعي.

انطلاقًا من كل ما سبق وتأكيدًا على كل ما رصدته دراسة الباحثة هاجر محمد إسماعيل نستطيع أن نستخلص أن إيجابيات شبكات التواصل الاجتماعي إذا ما وُظفت بشكل صحيح تكمن في إعلاء قيم المعرفة والنقد والمراجعة وحوار الذات، كما أنها تلغي الحواجز الجغرافية والمكانية، وتتحطم فيها الحدود الدولية، وكذلك تمكن من الانتقال من دور المستقبل إلى دور المرسل أو الناشر، وكلها قيم ينطلق منها أي مشروع تنموي ثقافي.

ماذا عن السلبيات؟!

تقول الباحثة: "لا يمكن حصر سلبيات التواصل الاجتماعي فيما يعرف بالجرائم الإلكترونية فقط، أو في حالات انعدام الخصوصية، أو في استخدامها كأداة تشهير وتزوير وتحايل وابتزاز، وكذلك كأداة لعرض المواد الإباحية والخادشة للحياء، ووسيلة للمراقبة والحجب حيث تمتلك الحكومات ممثلة بأجهزة الاستخبارات قدرة كبيرة على مراقبة ومواجهة وسائل الإعلام، ومن ثم حجبها". بل يبقى استنزاف وقت المرأة المخصص لرعاية أسرتها هو الطامة الكبرى عند فرط استخدام تلك المواقع، حيث يؤدي ذلك ليس فقط إلى إقامة حواجز نفسية بينها وبين زوجها وأولادها، بل بينها وبين واقعها كله بما يشمله من مصاعب ومعوقات، لتكتفي برؤية العالم من خلف مرآة تلك المواقع فيصبح الحفاظ على حياتها الأسرية هو الخيار الأصعب في مقابل قرار الانفصال والتفكك الأسري الذي بات هو الأقرب لها والأيسر عليها. لتبقى العزلة هدفها والوحدة وسيلتها.

من هنا جاء تحذير الباحثة من إدمان الفيس كأحد عواقب الهروب إلى العيش داخل عالم افتراضي خيالي لا وجود له في الواقع.

عالم يشغله المتفاخرون بإنجازاتهم الشكلية ومثالياتهم التي لم تختبر في معمل الحياة الواقعية، والمتباهون بحميمية زائفة لحياتهم الزوجية وعرضها في الفضاء المفتوح في صورة مناوشات لطيفة أو غزل فج، وما يترتب على كل ذلك من حالة من التذمر والنفور التي تصيب الأخريات ممن وقعن في الفخ.
ما بين سلبيات لا يمكن تجاهلها وإيجابيات لا يمكن الاستغناء عنها .. هل اختلط الماء بالزيت؟
تقول الباحثة هاجر محمد إسماعيل: يبدو أن الخيط الرفيع بين العالم الافتراضي والواقعي قد قُطع واشتبكت الأمور إلى حدٍّ لا يمكن التفريق بينهما، ففي هذا العصر الذي شهد أكبر حملات هجرة ولجوء ونزوح، كانت الهجرة الأكبر التي شهدتها البشرية على الإطلاق هي الهجرة من الواقعي إلى الافتراضي، والسكن في وسائل التواصل الاجتماعي.

ومن ثم تضيف: "نحن هنا لا نناقش سلبيات وسائل التواصل الاجتماعي أو إيجابياتها، وإنما نقدم آليات من أجل تحويل هذا الشعور السلبي الذي قد يهيمن على المرأة ويشعرها بالفشل إلى طاقة إيجابية تنطلق بها نحو النجاح، وذلك بألا تنخدع بهذه الصور، أو تظن أنها صور واقعية".
فالإنسان .. كل إنسان يميل بطبعه إلى السعي نحو التجمّل عند ظهوره العلني وتصديره لصورة مثالية عن نفسه وواقعه، وليس أنسب من تلك الوسائل الإلكترونية لتحقيق ذلك.

والأجدى بنا أن نبحث عن النماذج الحقيقية الناجحة، ونتفكر في أسباب نجاحها، ونعمل على تطبيقها مع قناعتنا بأن الله عز وجل خلق الناس مختلفين في القدرات والأنماط، من أجل تحقيق التكامل، فلا ينبغي أن نسعى للتطابق مع الآخر بل ينبغي أن نكتشف مواطن الإبداع فينا، ونعززها ونطورها لنكون أنفسنا في الحياة الواقعية والافتراضية على حد سواء.

وبناءً على هذه النتائج، توصي الدراسة بضرورة توجيه محتوى المجموعات النسائية على مواقع التواصل الاجتماعي نحو تعزيز القيم الإيجابية، وتقديم مواد تثقيفية تخدم قضايا المرأة والمجتمع، مع ضرورة دراسة التأثيرات طويلة المدى لهذه المجموعات على السلوك الاجتماعي للمرأة في سياقات مختلفة. مع التركيز على الفروقات بين الحضر والريف والدوافع المختلفة للتفاعل لدى أبناء كل منهما، إضافة إلى تحليل تأثير تلك المنصات مثل إنستجرام، تويتر، وتيك توك على السلوك الاجتماعي للمرأة، ومقارنة النتائج مع نتائج تأثير (الفيس بوك).

إضافة إلى إجراء دراسات حول تأثير التفاعل الرقمي على العلاقات الأسرية وتحليل كيفية تأثير التفاعل في المجموعات النسائية عبر (فيس بوك) على ديناميكيات العلاقات الأسرية، مثل التواصل بين الأزواج والأبناء.



التعليقات

فيديو العدد