الحاسة السادسة .. بين الفطرة والخيال
العدد 163 - 2025
تتضارب الآراء عادة حول القوانين خاصة المرتبطة بالزواج والطلاق والأسرة، لذا رأت "مرامي" ضرورة تسليط الضوء عليها والتقت د. ملكة يوسف زرار، أستاذة الفقه المقارن، وصاحبة أول موسوعة عن الزواج في الشرائع السماوية الثلاث والتي أكدت أن العودة إلى القانون الإلهي الداعم للإنسان والإنسانية وبالتالي للمجتمع هو الحل حيث قالت: أرى أن التغييرات التي اجتاحت العالم العربي هي التي أدت إلى ما يسمى بالاختلاف الظاهري حول تطبيق القواعد المنظِّمة للعلاقة الزوجية، ومع ذلك لا أعتقد أن الاختلاف في مصدر التشريع وإنما الاختلاف في التفسيرات والآراء الفقهيه القائمة على الاجتهاد.
وتؤكد الدكتورة ملكة أن قانون الزواج الإسلامي القائم في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة وما أجمع عليه الصحب الكرام هو أفضل قانون للزواج من حيث الحماية الشرعية التي كتبها الله ورسوله منذ خمسة عشر قرناً للمرأة المسلمة، والتي لم تحظَ بمثلها امرأة؛ سواء في القوانين الحضارية القديمة أو في قوانين العصر الحديث.
وقالت: إن الله قد اختص ذاته العليا بتنظيم الزواج في الإسلام تنظيماً دقيقاً محكماً تحت رعايته، حتى إن القرآن الكريم قد اشتمل في العديد من السور على آيات تناولت أحكام الزواج بدءاً من التفكير فيه والعزم عليه إلى نشأته وقيامه حتى انقضائه بالموت أو بتره بالطلاق بنصوص واضحة محكمة وقطعية الثبوت والدلالة أيضاً.
كما تناولت السنة النبوية المشرفة البيان والتوضيح لكل حكم من هذه الأحكام صراحة ودلالة، ومن ثم كان البناء الشرعي المتكامل في شأن الرابطة الزوجية وما يترتب عليها من قواعد وآثار بمنأى عن التغيير أو التبديل.
وتضيف: وعليه فالنكاح والطلاق والرجعة والإرث من الأحكام المتعلقة بالعبادات، ولا يجوز الاتفاق على مخالفة حكم بوقفه أو إسقاطه حتى وإن ارتضى أطراف العلاقة ذلك، ومن ثم فإرادة الاختيار محدودة ومقيدة بإرادة الشارع ومشيئته وحكمه. يقول تعالى: ﴿وَإِنۡ أَرَدتُّمُ ٱسۡتِبۡدَالَ زَوۡجࣲ مَّكَانَ زَوۡجࣲ وَءَاتَیۡتُمۡ إِحۡدَىٰهُنَّ قِنطَارࣰا فَلَا تَأۡخُذُوا۟ مِنۡهُ شَیۡـًٔاۚ أَتَأۡخُذُونَهُۥ بُهۡتَـٰنࣰا وَإِثۡمࣰا مُّبِینࣰا﴾ والمتتبع لكلمة الميثاق ومواضعها في القرآن الكريم لا يكاد يجدها إلا حيث يأمر الله بعبادته وتوحيده والأخذ بشرائعه وأحكامه، غير أن العقود تكون مرهونة بوقت، بينما إضمار النية على توقيت ما في الزواج أمر منهي عنه ومحرم شرعاً.
بداية أقول إن لدينا من الأحكام الشرعية الأصولية ما نستطيع به تنظيم قوانين وضعية تتفق ومقاصد الشريعة الإسلامية الكلية وهذا أمر سهل وميسور. فالعقود المدنية تخضع في قواعدها لأعراف الناس وتراضيهم وفقاً لمشيئتهم في البيع والشراء ما لم يخالف حكم الشارع ويستند الفقهاء في ذلك إلى قوله تعالى: ﴿إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم﴾، وإلى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان من أمر دينكم فإلي، وما كان من أمر دنياكم فأنتم أعلم به".
وبالتالي فبعض تلك الزيجات لها صفة مزدوجة، أي هي باطلة شرعاً وصحيحة قانوناً، وهذا ما اتبعنا فيه الفرنسيون الذين يعتبر زواجهم المدني صحيحاً والشرعي الكنسي باطلاً. فلو نظرنا إلى قانون الخلع المعمول به في بعض الدول نجد أن القاضى ليس له إلا أن يحكم بالفرقة ويبقى الطلاق بيد الزوج، وهناك فرق بين الفرقة والطلاق لأن الفرقة تحفظ للمرأة حقوقها الشرعية أكثر من الطلاق، كما لا يوجد في الإسلام حكم طاعة ولكن تحرم الزوجة من نفقتها حال استحكام النشوز.
كما أستطيع القول إن التعدد أمر قائم ليس في الشريعة الإسلامية فحسب، بل في الشرائع السماوية السابقة وما يتبع الآن من محاولة لتقييده تحت مسمى عدم القدرة على العدل أو عدم القدرة على الإنفاق وما إلى ذلك وما استلزمه القانون من موافقة المرأة أو اشتراطها بمنعه، كلها شروط أبطلها سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "كل أمر ليس عليه أمرنا فهو رد" أي مردود باطل.
ثم تؤكد د. ملكة أن بعضاً من تلك البدع المستحدثة سببها تضارب الفتاوى لبعض الشرائح التي دأب أصحابها على الجمود والتقليد دون رد المسألة المتنازع في شأنها إلى القرآن والسنة، وكذلك إلى أن من يبحث في مسألة أو يفتي فيها لا يتخلص من التعصب المذهبي فيحاول إيجاد توافق مع الاتجاه الاجتماعي أو السياسي فتلونت الأقوال المفتى بها تبعاً لتلون الأهواء.
الطلاق شرع الله وقد أحاطه بمجموعة من الأحكام والضوابط التي تضمن لكلا الطرفين حقوقه وتلزمه بواجباته.. ويصبح واجباً شرعاً حين يفشل أحد الزوجين أو كلاهما في تطبيق المعاشرة بالمعروف والتي تعد مخالفتها وبالاً وجريمة في حق كل من الزوجين من ناحية وفي حق الأطفال الذين يسمعون ويشاهدون الإهانة التي قد يوجهها أحد الزوجين أو كلاهما للآخر.
فإذا كرهت المرأة زوجها بدون سبب يرجع إلى خطأ منه، أو إذا لم تستطع أن تتواءم نفسياً أو جسدياً مع زوجها بما أوجب الله من سكن ومساكنة مما قد يؤدى بها إلى عدم الإيفاء بأحكام الزواج فيجوز لها مخالعة زوجها، فيتعين تنصيب الحكمين العالمين بأحكام الله الشرعية، فإذا أصرت على ما هي عليه أمهلوها مدة زمنية لا تتجاوز الشهر، فإن أصرت على حالها ورفضت الصلح قضى بطلاقها من زوجها مع إسقاط كافة حقوقها الشرعية التي أمر الله بها وعليها أن ترد عليه ما أمهرها به، وهو المعروف بالطلاق على مال، أما إذا كانت كراهيتها لأمر يرجع إلى ظلم الزوج لها ومضارتها لإلجائها إلى الخلع بكل ما يترتب عليه من حرمان من حقوقها الشرعية، فلا يقضى عندئذ بالخلع وإن طلبته بل يؤمر الزوج بوجوب المعاشرة بالمعروف فإن أبى وتكررت منه الإساءة أمر وجوباً بطلاقها مع منحها كافة حقوقها الشرعية.
أي وجب على القاضى تعديل التوصيف القانوني من الخلع إلى طلب الطلاق للضرر. يقول تعالى: ﴿ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن﴾ والمعنى واضح بألا يلجىئ الزوج زوجته لطلب الخلع لمجرد أن يمنع عنها حقوق أوجبها الله عليه.
لا وسيلة غير الحكمين فلا بد من نص قانوني صريح –وهو ما عملت به بالفعل بعض الدول العربية- بوجوب تحكيم الحكمين عند كل نزاع أو شقاق بين الزوجين سواء كان الخطأ من جانب المرأة أو من جانب الرجل أو عمي الأمر فلا نعلم أيهما المسيء وأيهما المظلوم، وهذا حكم شرعي يحسب للقانون الوضعي الالتزام به في بعض الدول، ويشترط في الحكمين أن يكونا من أهل العدل والصلاح العالمين بأحكام الشرع الإسلامي وفقاً لنصوص القرآن والسنة وإجماع الصحابة.
القوامة هي مجموعة من الأحكام الشرعية المفروضة على عاتق الرجل، فالرجل القوام هو الذي يلتزم بما أوجب الله على عاتقه من أحكام تجاه زوجته وأولاده وبيته وليست مجرد منصب للذكورة دون الأنوثة، ومن هذا أن يكون قائماً عليها على قدر سعته بالإنفاق عليها وعلى بيتها وعلى ولدها، وأن يعد لها المسكن الشرعي الآمن لاستقرار المرأة وحفظها من عين تنظر أو أذن تسترق السمع على قدر سعته وقدرته وإن كانت حجرة واحدة لها قفل.
والأهم أن يحفظ أمانة الله وعهده في شأن المرأة بمعنى أن يحفظ على المرأة اسمها وعرضها ونفسها ودينها ومالها فلا يقهرها ولا يؤذيها ولا تسمع منه إلا خيراً.
وهنا لا بد أن نفرق بين أمرين جوهريين أولهما أن يكون الرجل قادراً على أداء مسؤوليته ولكنه ممتنع تعدياً وتحدياً فقد أسقط الله تعالى عنه حق القوام والثاني أن لا يكون قادراً، فإذا كان لا يستطيع أن يطعمها إلا جبناً وخبزاً وإلا أن يشترى لها ثوباً واحداً يستر عورتها فيكفيها ذلك ويكون قواماً قائماً بأحكام الله ﴿لا يكلف الله نفساً إلا وسعها﴾ فإذا لم ترتض المرأة هذه الحال وأنفقت من ما لها فلا يعني ذلك إسقاط قوامته.
أهم ما كان يجب أن يوضح في تلك القوانين هو أن الزواج في الإسلام ليس مجرد عقد من عقود القانون المدني كما يتصور العامة وكثير من الخاصة وإنما الزواج في الإسلام بكلمة الله ميثاق وعهد غليظ مع الله، فالله سبحانه وتعالى يأخذ العهد على الرجل بحفظ أمانة هذا الميثاق في شأن المرأة.
قال الرسول صلى الله عليه وسلم في خطبة الوداع: "اتقوا الله في النساء فأنتم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله لكم عليهن ألا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف"، كذلك الشأن بالنسبة للمرأة بوصفها شخصية مستقلة وطرفاً أصيلاً في الميثاق والعهد مع الله تلتزم بأحكام الله والرسول في شأن هذا الميثاق الغليظ الجلل، وإن أمر الشرع أن ينوب عنها وليها بالتعبير عن إرادتها في عقدة النكاح فلا يعني ذلك إسقاط مسؤوليتها أو يفهم خطأ أنها مجرد محل يرد عليه تنفيذ هذا العقد، فجسد المرأة ورقبتها لا يمتلكهما أحد، فهي توافق وترضى بإرادتها الحرة المستقلة.
التعليقات