امرأة شرهة

امرأة شرهة
امرأة شرهة

لم أكره في حياتي شيئاً بقدر ما كرهت الطعام، لدرجة أن أمي كانت تبكي وهي تحمل بين يديها طبق الطعام محاولة استغلال حبي لها لكي أتناول ملاعق فقط من هذا الطبق، بعدها تصمني وهي تضحك "بالحاشفة الناشفة"؛ وذلك لتأففي من هذا الضغط العصبي اليومي، وامتد كرهي للطعام حتى السنة الأولى من زواجي، لكني فجأة وخصوصاً بعد ولادة أول طفل تحول كرهي للطعام إلى ضعف، سواء كنت جائعة أو شبعانة.

وفي لحظة حزن على حالي تذكرت أنني قرأت في مجلة "طبيبك الخاص" التي كنت أقرؤها فور صدورها كل شهر أنني مريضة بفقدان الشهية العصبي، وصاحب هذا المرض يمتلك إرادة وقدرة تمنعانه عن الطعام.

مقاومتي الآن تنهار أمام الطعام، فأقبل عليه وألتهمه شر التهام، وهو ما بت أراه أهم مشكلة في حياتي، خصوصاً أن ألق زوجي بي خبا، ولم أعد أرى اللمعة داخل عيونه وهو ينظر لي، وعندما أقف أمام المرآة أرى نفسي كتلة لحم متساوية، وأبحث عن خريطتي الأولى فلا أرى جبالاً ولا ودياناً ولا أنهار.

أمي نفسها التي كانت ضد نحافتي وذهبت بي وأنا ابنة العشر سنوات إلى الطبيب الذي أكد أن علاجي في عيادات الطب النفسي، ورفضت أمي هذا الاقتراح خوفاً على سمعة الأسرة، التي سعت هي ووالدي للحفاظ عليها، عندما زارتني الأسبوع الماضي نبهتني إلى زيادة وزني بشكل غير معقول.

امرأة شرهة

في الشارع، وأنا أمشي بجانب أمي التي أصرت على الذهاب بي لطبيب متخصص في أمراض السمنة، تنمر بي البعض وأسمعوني كلاماً جارحاً، كل هذا دفعني لتنفيذ خطة العلاج التي وضعها الطبيب، بعدها أقبل زوجي عليّ فرحاً، وعيونه تلمع، وازداد ألقه، وكثيراً ما تناولنا العشاء خارج البيت وبت أرقص وأنا أرتدي أحدث الملابس العصرية لدرجة أن الجميع بات يهتم بي، في البيت وفي العمل وفي الشارع.

فجأة فسد كل شيء دون أسباب أو مقدمات، ورحت ألتهم الطعام بشراهة وأصبحت لا أشعر بالشبع، وأنام أكثر مما أستيقظ، وأنظر من النافذة فأشعر بأن الناس يتنمرون عليّ، فأغلق ستارة النافذة وأفتح باب الثلاجة والتهم الحلويات، ثم أبحث عن المكسرات، وزوجي يقول: المشكلة إن تحليلاتك كلها سالبة وشرايينك ودقات قلبك وعظامك، كل شيء سليم. ثم يصرخ في: ارحمي نفسك وارحمينا معك. ثم وهو يشير لأولادنا: ولادك، والله ولادك.

نظر الطبيب لي وقال وهو يهز رأسه: أنت ضعيفة، والضعف سمة الأغبياء.

قالت أمي: مرة أخيرة، عفاف ذكية أنا أمها وأعرفها.

طلب مني الطبيب أن ألتزم، ووعدته وأنا في منتهى الخجل من تأنيبه، خصوصاً بعد أن أخبرني بأن الشارع لا يرحم، وإن كان هناك شخص يألم لك فهناك الكثير من المتنمرين، ارحمي نفسك؟

تكرر الأمر معي كثيراً، وفي كل مرة أعود للطبيب أرجوه وأتأسف وهو يلومني، لكني في آخر مرة اعترفت له بأنني لا أستطيع مقاومة رغبتي العارمة في الطعام، خصوصاً اللحم الدسم والحلويات والمكسرات.

بضجر، ودون النظر لي، قرر تحويلي للعلاج النفسي.

التعليقات

فيديو العدد