قصة رحلة من أجل المسرح
العدد 160 - 2024
صدر عن دار العنوان للطباعة والنشر والتوزيع بالشارقة كتاب جديد حمل عنوان "رواد المسرح الإماراتي" الجزء الأول، وفيه يتناول مؤلفه الباحث والكاتب ظافر جلود سيرة الفنان الرائد محمد الجناحي الذي يعد من الرعيل الأول في الفن الإماراتي، ومن الذين أسسوا تاريخ الحركة الفنية في الإمارات، وقد تعلمت على يده أجيال متعددة من الفنانين الإماراتيين.
انطلق الجناحي منذ الستينيات بالدراما الإذاعية كتابة وإخراجاً وتمثيلاً، ثم اتجه إلى الدراما التلفزيونية، ونال الشهرة مبكراً عبر المسلسل التلفزيوني الشهير "اشحفان"، مع جيل فني تميز بعطائه، أمثال الفنان سلطان الشاعر وأحمد منقوش وسعيد النعيمي وسعيد بن عفصان وعبدالله المناعي ورزيقة الطارش ومحمد ياسين وإبراهيم البردان وجمعة الحلاوي.
دخل الفنان محمد الجناحي الفن بالمصادفة، عن طريق مشاركته في أول عمل مسرحي، إذ كان هذا العمل من تنظيم النادي الأهلي بمناسبة أول عيد جلوس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1967.
الجزء الثاني من الكتاب، يتناول سيرة الفنان الممثل الراحل عبد الله مفتاح الذي استطاع خلال فترة زمنية قصيرة أن يسجل تاريخاً وبصمة في المسرح الإماراتي، يعتبر مفتاح من أوائل الممثلين الإماراتيين وأحد مؤسسي الفرق المسرحية في الإمارات، كانت بداياته في السبعينيات من خلال مسارح أبوظبي وبالتحديد مسرح الشرطة، ومسرح الاتحاد اللذين أسهم في تأسيسهما، وشهدت تلك المسارح أدواره الأولى في مسرحيات مثل “استأهل اللي يجيني”، و“البطرة تزول النعمة” وغيرهما.
لذلك فإن محطات عديدة مر بها المسرح في الإمارات، شكلت جزءاً من تطور هذا الفن الذي يوصف بـ«أبي الفنون» وحلقة مهمة من حلقات تطوره على المستوى العربي، ما جعل من الإمارات وجهة ثقافية تعيد أمجاد المسرح العربي من جديد، وذا ما أردنا تحديد الإرهاصات الأولى لانطلاقة المسرح في الإمارات، فنعود إلى العام 1950، وإلى مدرسة القاسمية في الشارقة، التي تعتبر واحدة من أوائل المدارس النظامية، وفيها مجموعة من الأساتذة الأفاضل، منهم زهدي الخطيب، محمد دياب الموسى، وعلي وبرحيمة، الذي قام بتأليف وتمثيل أول مسرحية في مدرسة القاسمية، عنوانها "الحطٌاب وبنت السلطان"، كما يروي الشيخ سلطان، غير أن هذه المسرحية أصبحت المحطة الأولى لانطلاقة المسرح، دون أن يدري علي وبرحيمة وقتها أنه يؤسس لحركة مسرحية في الإمارات، ستأخذ أبعاداً مهمة مستقبلاً.
في العام 1955، قام مجموعة من الطلبة بتقديم مسرحية «جابر عثرات الكرام» لمحمود غنيم، وكان على رأسهم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، والراحل تريم عمران تريم، ومحمد حمد الشامسي، وكذلك الأخوين أحمد ومحمد ناصر وخلف الفندي ومحمود خير الله، وأخرجها فايز أبو نعاج، ثم أعيد إخراجها في العام 1957 على يدي أحمد العدواني. أما في دبي، فيذكر الأستاذ زهدي الخطيب أن أول مسرحية، شهدتها مدارس دبي، كانت في العام 1958، بعنوان «جامع الذهب»، كان الشيخ حمدان بن راشد آل مكتوم، نائب حاكم دبي، يمثل فيها وكان معه جمعة غريب.
إذن يمكن أن نحدد النشاط المسرحي المدرسي، في الشارقة بدأ العام 1950 في المدرسة القاسمية، على يدي على برحيمة، وفي دبي العام 1958 في المدرسة الأحمدية، وفي العام 1960 في المدرسة القاسمية برأس الخيمة.
ويعد قيام دولة الاتحاد فجر ثورة تعليمية في جميع أنحاء الدولة، قادها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، والتي تمثل مفصلاً أساسياً في الثقافة بصورة عامة، والمسرح والتعليم بخاصة. إذ استقدمت وزارة التربية والتعليم مئات، بل آلاف المدرسين، كما استقدمت الفنان زكي طليمات من مصر، لوضع خطة تستهدف النهوض بالمسرح، وبخاصة المسرح المدرسي الذي كان عماد الحركة المسرحية في الإمارات.
وبخصوص الفنان الراحل محمد الجناحي الذي كان يحتل الجزء الأول من الكتاب حيث يظل رصيداً متوهجاً ما دام هذا الفنان بالذات هو صورة أخرى لدراما الحياة، ارتبط اسم محمد الجناحي ومنذ الستينيات بالدراما الإذاعية كتابة وإخراجاً وتمثيلاً، ثم اتجه للدراما التلفزيونية وصادف الشهرة مبكراً مع المسلسل التلفزيوني الشهير ''شحفان'' مع جيل كان يحفر في صخرة الدراما المحلية دون يأس، أسماء مثل الفنان سلطان الشاعر، وأحمد منقوش وسعيد النعيمي، والمرحوم محمد راشد، وسعيد بن عفصان، وعبدالله المناعي، ورزيقة الطارش، ومحمد ياسين، وإبراهيم البردان، وجمعة الحلاوي.
الطرف الثاني للكتاب خصص للفنان الممثل الراحل عبد الله مفتاح، فقد توزعت مسارات ومغامرات الفنان الراحل عبدالله مفتاح، الخافت صوتاً وحضوراً، والماثل رغم هذا الإبهام الأرشيفي، في ذاكرة الكثير من الفنانين الذين أسسوا لبدايات ظهور المسرح والدراما في الإمارات، قبل وبعد قيام دولة الاتحاد، كانت السبعينيات وتحديداً سنة 1977 هي العتبة الأولى التي تخطاها عبدالله مفتاح مع الفنانين جمعة الحلاوي وصالح كرامة لإشغال الطقس المسرحي في أبوظبي، بما يستحقه من إيغال وبحث وجرأة كي يكون هو الفضاء الأكثر حميمية لاجتراح وتأكيد حضور الفن بشكله المجسد والطليعي آنذاك من تقديم محاولات مسرحية جادة وجريئة في أبوظبي.
وكما تقول السيرة الفنية لعبدالله مفتاح حيث قدم مع مسرح الاتحاد وفي هذه البدايات الضبابية مسرحية بعنوان: «أستأهل اللي يجيني»، ثم مسرحية: «البطرة تزول النعمة»، ثم مسرحية: «الصبر زين» مع الفنان الكبير الراحل محمد الجناحي ومن إخراج مراد كامل، وتلتها مسرحية: «اللي ماله أول ماله تالي» لفرقة وزارة الإعلام والثقافة، واتجه (مفتاح) بعدها للإذاعة والتلفزيون وقدم الأوبريت التلفزيوني: «طريق الأمل»، وكانت الإطلالة المميزة لمفتاح في المسلسل المحلي الشهير: «إشحفان» مع الممثل القدير الراحل سلطان الشاعر وبمشاركة كوكبة من الجيل المؤسس للدراما في التلفزيون في تلك الفترة وساهم مفتاح مع زملائه بتلك الفترة في تأسيس المسرح القومي للشباب، وشارك في مسرحية: «غلط في غلط» لفرقة مسرح الفجيرة القومي، وتعد مشاركته في مسرحية: «الرجل الذي صار كلباً» التي أخرجها عبدالإله عبدالقادر مع فرقة مسرح الشارقة الوطني هي البداية اللامعة التي كرست اسمه كفنان موهوب وكقارئ جيد للحالة المسرحية المبشرة في الدولة.
التعليقات