الزراعة العضوية في الإمارات
العدد الخاص بمناسبة عيد الاتحاد 53 - 2024
قالت لي إحدى صديقاتي: من المعروف أن أطباء الأمراض النفسية قليلاً ما يتكلمون، فوظيفتهم هي أن يحسنوا الإصغاء، ويتركوا المرضى يتحدثون، ثم يسجلوا ما يقال في ذاكرتهم أو على أوراق. ولكن أنا ارتاح عندما أذهب إلى البحر، فهو صديقي وطبيبي النفسي فما هو رأيك؟
نعم كلام صحيح؛ فالمرأة تجد الراحة، والحرية، والشباب، والجمال، والسعادة على شاطئ البحر. وقد سألت عدة زميلات حول أثر البحر على نفسية المرأة ؟وهذه بعض الإجابات، قالت أحداهن: "على شاطئ البحر، أشعر أنني وجدت نفسي بعد ضياع". وقالت الثانية: "مع البحر، أنسى كل شيء، أنسى مشاغلي وآلامي، أنسى مشاكل البيت والأولاد، حتى أخطائي وذنوبي أنساها".
وقالت أخرى: "بعد أسبوع واحد على شاطئ البحر، يخيل لي أنني قضيت شهراً كاملاً في معهد التجميل؛ فالبحر يعيد لي رشاقتي وجمالي وشبابي وثقتي بنفسي".
وقالت سيدة شابة: "في الصباح، أتمدد على شاطئ البحر، لا، لا أحب أن أفتح كتاباً أو مجلة، ولا يخطر لي أن أحرك إبر التريكو بأصابعي، بل أتمدد في استرخاء دون أن أفعل شيئاً، ويلذ لي أن أنظر إلى بعيد، وأتابع أمواج البحر وهي تتدافع وتتكسر على الشاطئ واستمتع بهواء البحر المنعش، وأحياناً أمشي حافية القدمين، وأترك مياه البحر تداعبهما، بينما النسيم يعبث بشعري والشمس تلفح جلدي".
وما أحسب سيدة قضت على شاطئ البحر أسبوعاً أو أكثر، إلا عادت سعيدة بلونها الخمري، وبذكريات الشاطئ المرحة، وبإحساسها بأنها استعادت الصحة والشباب وخلقت من جديد.
كلنا يعرف فوائد البحر بالنسبة للبدن، فهو يعيد إليه الصحة والعافية والنشاط والقوة. أما فوائده النفسية فقد كنا نحس بها دون أن نتبينها، دون أن ندركها في وضوح.
إن "هواء البحر يجدد الطاقة الإيجابية لدى المرأة، نظراً لاحتوائه على أيونات سالبة تضاعف كمية الأكسجين التي يستنشقها الإنسان، وبذلك تزيد من قدرة المرأة على التحمل، وعدم شعورها بالضيق أو التوتر والقلق، كما أن البحر يعزز الشعور بالانتعاش النفسي، نظراً للتوازن الذي يفعله داخل الجسم بين إشارات الدماغ نحو أجهزته المختلفة. و تأثيره على النفس والجسد قوي، حيث يمنح البحر للمرأة قدرة داخلية تعينها على مقاومة حالات الإصابة بالقلق والاكتئاب؛ لأنه يعمل على تجديد الروح وتهدئة الدماغ وتقليص مساحة الأفكار الحادة داخل الدماغ.
وعندما تركز المرأة في البحر، تتغير حالة العقل من الانشغال إلى الاسترخاء، لكن الشيء المثير أنه يعمل على تنشيط الشبكات العصبية المرتبطة بالأفكار الإبداعية، ويسمح للعقل بنسيان القلق والتوتر، وتنقل منطقة الفص الجبهي هذا التحكم إلى الجسم، وتؤثر في مراكز صنع القرار في المخ.
ولكن كيف تستطيع المرأة أن تكتشف ذاتها، وتتبين مواهبها؟
الجواب: بأن تخلو إلى نفسها وهي جالسة على الشاطئ، تتطلع إلى الأمواج، ومياه البحر تداعب قدميها، بعيداً عن الحياة اليومية بما فيها من رتابة مملة، ومشاغل تلهي الإنسان حتى عن نفسه. كما أن صوت أمواج البحر يعزز التأمل والتركيز، فعادة ما يتم استخدام هذا الصوت في جلسات التأمل والاسترخاء، حيث يظهر تغيرات في موجات الدماغ، خاصة أن صوت أمواج البحر تدعم موجات ألفا المرتبطة بحالة التركيز دون بذل جهد، وتدعم صفاء الذهن والتفكير الإبداعي.
والبحر الذي لا نهاية له ينسيها ضيق مسكنها، وضجة الشارع وصخبه، وهي تعيش بلا ساعة؛ إذ لا حاجة لها إلى معرفة الزمن، وبأقل قدر من الملابس فقد جاءت إلى البحر لتتخفف منها، وتتحدث في بساطة فكل تكلف يفقد الإجازة هدفها ومعناها، حتى الطعام تعده بسيطاً ماأمكن.
وفي الإجازة يتاح للمرأة أن ترتدي الفستان البسيط ويسمح للمرأة بقدر من الحرية لا تسمح به عادة في حياتها العادية. فهي تسير حافية القدمين أو في صندل خفيف، وتجلس على الرمال أو فوق الصخور بلا خوف ولا حذر . وهكذا يتاح للمرأة أخيراً أن تعيش لحظات سعيدة وقد تحررت من قيودها البدنية والاجتماعية والنفسية. والبحر بأمواجه الصاخبة، وبمياهه الزرقاء التي لا نهاية لها، وبهذا الأفق البعيد الذي بحد النظر كل هذا يخلق الفراغ فتبدو الأشياء ليست ذات أهمية.
وحينها تعيش المرأة على الشاطئ مع صديقاتها لحظات رائعة وهي موزعة بين الحاضر والماضي، وقد تحررت من قيودها، تعيش لنفسها تمارس التأمل واليوغا وبعض الرياضات بعد أن ضحت كثيراً من أجل زوجها وأولادها.
بقي أن يحرص أفراد الأسرة على أن تستمتع الأم، كل أم، بإجازتها فعلاً، وإلا حرموها من استعادة صحتها وحيويتها وشبابها، وقضوا عليها بالعذاب والشقاء وما أظنهم إلى هذا يهدفون.
التعليقات