الذكاء...موهبة وقدرات

ريم حنيني - دمشق

من أهم الصفات التي يتمتع بها الطفل الذكي الفضول وحب الاكتشاف منذ الصغر، والاستمتاع باللعب والسعادة، والطفل الذكي هو الذي يتمتع بقدرة استثنائية أو باستعداد فطري غير عادي من خلال إظهار قدرة عالية على الإبداع والالتزام بأداء المهام المطلوبة منه، من جهة أخرى يراود الكثير من الآباء والأمهات الحيرة الشديدة تجاه أبنائهم، فالابن مثلاً يتمتع بذكاء شديد ومهارة دراسية عالية، ويبذل كثيراً من الجهد في سبيل تحصيل دروسه دون إهمال أو تسويف، لكنه يخفق في الحصول على معدلات "درجات" عالية في امتحاناته السنوية أو الفصلية، فما هي الأسباب؟! الإجابات من خلال هذا الاستطلاع.

الذكاء والقدرات

مهند سنجقدار

يعود ذلك برأي أستاذ القانون "مهند سنجقدار" إلى قيام الكثير من الأهالي بالخلط ما بين الذكاء والقدرة على التعلم أو التحصيل أو توظيف الذكاء أو حتى تحقيق النجاح، ففي أي مجال من مجالات الحياة هناك أذكياء فشلوا دراسياً، وكذلك هناك أميون على درجة عالية من الذكاء، وبهذا الخصوص يوضح لمرامي قائلاً: "رزقني الله بثلاث فتيات عشقن مهنة المحاماة مثلي تماماً، إلا أن الحياة العملية أوضحت لي أن كل ابنة منهن أبدعت في مجال من مجالات عالم الحقوق؛ فتلك أظهرت مهارات في مجال القضايا المدنية، والأخرى مبدعة في مجال القضايا الشرعية، والثالثة مبدعة في المرافعات الجزائية".

أنواع الذكاء

سوسن حراكي

وتتفق "سوسن الحراكي" معه في أن للطفل أنواعاً مختلفة من الذكاء، وتفصل رأيها لمرامي موضحة: "للأسف، ومنذ سنين الدراسة الأولى، يمارس الأهل قدراً هائلاً من الضغط على أطفالهم لأداء جيد في العلوم وخاصة الرياضيات، حيث يتم التسامح مع النتائج التي هي دون المستوى المطلوب في مواضيع أخرى بمزيد من الصبر وتبريرها على أنها نقص في الدراسة، وذلك يعود ببساطة إلى إيمان الناس بأن الشكل الوحيد للذكاء هو الذكاء الرياضي، يحل بعده بمرتبة أقل الذكاء اللغوي، وبناء عليه يعتبر العلماء هم الأذكياء".

بين الذكاء والدراسة

خضر عامر

وبابتسامه جميلة يؤكد خضر عامر، وهو طالب في الصف الأول الإعدادي، لمرامي أن معنى كلمة "ذكاء" ليست للدراسة فقط، هي ترتكز على ذكاء الشخص في أمور الحياة اليومية، ويوضح انطباعه قائلاً: "لديّ صديق لا يعد من المتفوقين بالنسبة لآراء من حولنا، إلا أنه متفوق في علم الميكانيك، وأعرف صديقاً آخر يحصد علامات ضعيفة دوماً في معظم المواد، إلا أنه من الأوائل في مادة الرياضيات، الأمر الذي يثير الدهشة لدى مدرسيه وإدارة المدرسة".

وأضاف قائلاً: "يمكننا أن نتعلم من تجربة والدة العالم المعروف أديسون على سبيل المثال، عندما قام مدرس الرياضيات بطرد ابنها من المدرسة وقال لها: إنه طفل غبي ورأسه مملوء بالتراب. لم تستسلم لكلام المدرس السطحي، بل آمنت بقدرات ابنها ودعمته حتى قدم للعالم ألفاً وثلاثة وتسعين اختراعاً خلدت ذكراه، أهمها الكهرباء التي هي عصب حياتنا اليومية".

اختبارات الحياة

"فرح مارديني" ركزت على قدرات ولديها الرياضية، ودعمتهما حتى أصبحا بطلين في لعبة الجمباز، تفصل تجربتها الغنية لمرامي بقولها: "منذ الصغر لمست لدى ولديّ حمزة وكريم ميلاً لحب الرياضة، فأحببت أن أوظف هذا الشغف في لعبة يحبانها، فكانت رياضة الجمباز هي الرياضة التي عشقاها حتى النخاع".

وأضافت: "حياتنا تتمحور ما بين التمرينات الرياضية قبل كل بطولة والمتابعة في المدرسة، وقد كانا متوسطين في المدرسة، ولم تشغلني يوماً ما تسمى بالعلامة الكاملة في الامتحان فالحياة تخبئ لطفليَّ امتحانات أصعب بكثير لا بد من أن يتعلما كيفية تجاوزها بمهارة بعد التوكل على رب العالمين والأخذ بالأسباب".

الذكاء والعلامة التامة

محمد فضة

وضمن هذا المحور يتفق المدرب الرياضي "محمد فضة" معها على ضرورة اكتشاف ما يهوى أبناؤنا وحول ماذا يتمحور ذكاؤهم، ويوضح لمرامي كذلك أهمية البنية الجسمانية السليمة لأبنائنا ودورها في تنميتهم الفكرية موضحاً: "العقل السليم في الجسم السليم، ويعلم الكثير منا أن للرياضة فوائد جمة على صحتنا البدنية، ولكن ما لا يعلمه الكثير منا أن للرياضة فوائد جمة متعلقة بالحيوية والتمثيل الغذائي ومسارات الطاقة والقدرة على الإنتاج أبعد من هذه الفوائد الفيزيولوجية، والتي قد لا يدركها كثير من الناس؛ فمثلاً تعمل رياضة المشي الخفيف والسباحة على تقوية الدماغ والذاكرة ورفع مستوى الذكاء لدى الشخص الذي يمارسها".

ويحث قرآننا الكريم على استخدام العقل والفكر في تنمية مهارة الفهم والإدراك لدى الإنسان، فلا ينطلق العقل من عقاله إلا بترويضه وتنميته وإعطائه القدرة على الاستيعاب من خلال النظر والتدبر والتأمل في معاني القرآن وآياته التي يستشعر فيها المؤمن عظمة الله وقدرته على الخلق والإبداع، فينتفع وينفع غيره بكل ما في الكون من جديد ومفيد.

لذلك، لنخلق من أبنائنا شخصيات تبدع فيما تحب ويكون لها منهاج حياة تحصد في ربوعه النجاحات غير المحدودة، وذلك لن يتحقق إلا إذا جعلنا أطفالنا أطفالاً مبدعين فيما يرغبون وبما تهوى أنفسهم ما دامت طموحاتهم مشروعة ولندرك جيداً أن الطفل الذكي ليس رديفاً للطفل الذي يحفظ ليصب ما بعقله على ورقة الامتحان وجل ما يسعى له هو العلامة التامة يخرج بعدها وهو فارغ العقل، أبناؤنا أمانه لدينا، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته".