رحابة النص .. في قصص من الشرق والغرب

رحابة النص .. في قصص من الشرق والغرب
رحابة النص .. في قصص من الشرق والغرب

كم من قصص حب عاشت داخل النص، نضجت بين سطوره وخلدتها دفتاه، بينما عجز الواقع بإحباطاته المعهودة وإشكالياته الساذجة عن أن يحتويها ويكتب لها الخلود، ذلك حين أضاف الحرمان أبعاداً رومانسية ولعب الخيال دوراً عبقرياً جعل أصحابها يتشبثون بتلابيب قصصهم ولا يقبلون عنها بديلاً.

رحابة النص .. في قصص من الشرق والغرب
  • فحين ضاقت الدنيا "بأحمد رامي" ووقفت الأسباب بينه وبين أم كلثوم اتسعت قصائده لكل تلك المعاني التي عبرت بإعجاز عن روعة الحب ولوعة الفراق.
  • كذلك لا يمكن لشاعر مهما بلغت شاعريته وتمكنه أن يسطر بيتاً واحداً في قصيدة كالأطلال إلا عن تجربة لوعته وحرمان أطاح بآماله، حيث سافر "إبراهيم ناجي" ليكمل دراسة الطب بعد أن اتفق الحبيبان على الزواج إلا أن دراسة ناجي للطب طالت، كما مورست على الفتاة ضغوط حيث لم يكن المعهود في هذا العصر (أوائل القرن العشرين) أن تبقى الفتاة فترة طويلة في انتظار زوج المستقبل، فتزوجت حبيبة "ناجي" واستمتعتنا نحن بقصيدة (الأطلال) التي لو لم يكن لناجي غيرها لاستحق بها وحدها أن يكون من الخالدين في دنيا الشعر ودنيا الحب معاً.

هذا ما التقطه الناقد الأدبى الراحل "رجاء النقاش" في مؤلفه (أجمل قصص الحب من الشرق والغرب) مقدماً لقصص حب استوقفت التاريخ الانساني حتى إنه سيظل يذكرها من خلال نصوص حفظتها على طول مداه.

  • حيث كشف أن موت أخت الشاعر "نزار قباني" في سبيل الحب هو أحد العوامل النفسية التي جعلته يعطي لشعر الحب كل طاقاته ويهبه أجمل كلماته، نعم.. لقد كانت قصائده تعويضاً لما حرمت منه أخته وانتقاماً لها من مجتمع يرفض الحب ويطارده، حيث قتلت نفسها بكل بساطة وبشاعرية منقطعة النظير لأنها لم تستطع أن تتزوج حبيبها. ويقول: "كان الحب يمشي إلى جانبي في الجنازة ويشد على ذراعي ويبكي".
  • ولأن الحنان هو الشعور الذي كانت تمتلئ به قصائدها الدافئة الجميلة لقبوها بشاعرة الحنان وكان الشعر والحنان هما سلاحها القوى الذي دافعت به عن نفسها وكسبت المعركة التي كادت تطيح بحياتها الزوجية، ذلك حين تيقنت الشاعرة منيرة توفيق من رغبة زوجها ضابط الشرطة في الفراق تمهيداً لإعلان زواجه من أخرى، فنشرت في مجلة الرسالة قصيدة بعنوان (إلى زوجي الفاضل) عبرت فيها عن حبها ووفائها الذين قابلهما بشر الجزاء ودعوته فيها أن يعود إلى رشده بالعودة إليها. وبعد أسبوعين نشرت في نفس المكان قصيدة بعنوان "الحمد لله": "قد عاد لي زوجى الكريم وجاء يقرع سن نادم.. ما بعد ما قدرت أن رجوعه أضغاث حالم".

رحابة النص .. في قصص من الشرق والغرب

والنص ليس شعراً أو نثراً فقط بل قد يمتد إلى ألوان الفنون الأخرى، كما أكد النقاش في مؤلفه، ويدلل على ذلك بأن "بيتهوفن" ظل يذكر حبيبته ويهدى إليها كل أعماله حتى آخر لحظة في حياته ويردد أنه يفكر فيها وبعاطفة واحدة لم تتغير.

  • أما "بيكاسو" فحين رأى "فرانسوا جيلو" لأول مرة وكان في الـ63 من عمره رسم لها في يوم واحد تسع لوحات خلدت قصتهما مما جعلها تقول رغم الفارق بين عمريهما والذي يقترب من الـ40 عاماً: "أشعر دائماً بأن أحلامنا وعواطفنا تلتقي في عبقرية".
  • هل يمكن لصاحب القلب العاشق المشغول بعاطفة مشتعلة في داخله أن يكون سياسياً ناجحاً؟ الحقيقة لا؛ لأن السياسي إذا أخلد إلى عواطفه واستمع إلى نداء قلبه كما أكد "النقاش" فإنه قد يتعرض للضياع والانهيار كما حدث مع الملك "لويس السادس" ملك فرنسا الذي قامت الثورة الفرنسية في عصره. فقد خضع لزوجته "ماري أنطوانيت" وأصبحت لها الكلمة العليا فوق كل قراراته فانتهى بهما الأمر إلى قطع رأسيهما فوق المقصلة. وربما هذا الذي جعل "نابليون" رغم ولهه "بجوزفين" يقول: "لو أن (جوزفين) رأت يوماً أن أمراً ما يجب أن تفعله حكومتي لدعاني رأيها هذا إلى أن أفعل نقيضه على خط مستقيم".
  • ومن عالم السياسة أيضاً نذكر ديكتاتور إيطاليا الشهير "موسليني" الذي أحب "كلارا بيتاشي" وأحبته حباً عظيماً حتى إنه عندما سقط وقادته مغامراته وانفراده برأيه إلى الهاوية وتم القبض عليه رفضت أن تنجو بنفسها على الرغم من أن الفرصة كانت متاحة أمامها لذلك، بل وظلت متشبثة بذراعه لتتلقى الرصاص بدلاً منه وتموت قبله بلحظات قليلة ليخلد اسمها كشهيدة للحب.

فماذا لو أن الحكاية بسيطة والقصة سهلة واللقاء ليس عسيراً؟ إذن لانطفأت جذوة الحب، وحتى لو كتب له الاستمرار لكان هادئاً ولا أريد أن أقول فاتراً. وربما تكشف السنوات القادمة فضل النص في خلود قصص حب أخرى عجز الواقع عن استيعابها، وهنا أذكر صديقتي التي ما إن بات شبح الفراق واضحاً وجاء إصرار الأهل قاطعاً نحو النهاية غير السعيدة، حتى اتفقت مع حبيبها على أن يتقابلا في الأول من يناير كل عام في مكان ما بقلعة صلاح الدين بالقاهرة لتظل دائماً المسافة بين الموعدين أرضاً خصبة لنمو الحب وتجديد دماء الخيال الخصب، وعلى الرغم من عدم التزام الحبيب فإن التزامها لمدة تجاوزت الأعوام العشرة جعلها تكتب رواية نسجت أغلب أحداثها في ساعات الانتظار حين خاض الخيال فيما عجز عنه الواقع.

وتصل الرواية إلى الحبيب فينتابه شعور بالفخر لقدرته الفائقة على الحياة داخل نص بتلك الروعة.

فلنشكر جميعاً النص العملاق صاحب الفضل الوحيد في احتواء الحب وخلوده.

التعليقات

فيديو العدد