لبنى ياسين: الهاجس الذي يتملكني هو تحويل المساحة من حولي إلى مكان جميل
العدد 161 - 2025
يعتبر الكاتب والناقد المصري عبدالفتاح صبري أحد أبرز الوجوه المصرية المعاصرة في الكتابة الأدبية والسردية والنقدية وحتى المسرحية، حيث رفد المشهد العربي بما يزيد على (45) مؤلفاً في أغلب صنوف الأدب. وفي حوار مع (مجلة مرامي) أكد أنه ابن مرحلة ثرية من تاريخ مصر والأمة العربية، وذكر أنه في الصف الأول الثانوي أهدته المدرسة كتاب (مرآة الإسلام) لطه حسين فالمحفزات كانت كثيرة.
وأضاف:حين نكتب فإننا نكتب الحياة من خلال وعينا ودون إدراك عميق منا مجريات الكتابة، وأكد على وجود تجارب عدة لكتّاب بدأت حياتهم بالكتابة وانتهت بالنقد، ليصبحوا من كبار النقاد، وأشار إلى أن تجربته الأدبية في الإمارات تعتبر المحطة الأهم في رحلته مع الكتابة.
وأكد صبري: إذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على أن يجمع أفكاراً وجملاً لإنشاء قصته أو روايته فإنه سيكون عملاً بلا روح ومهلهل التأثير؛ لأنه بلا خيط من دفء الوجدان الذي يؤسس للإبداع. وحول جائزة عبدالفتاح صبري للقصة القصيرة يقول: أتأمل أن تستمر الجائزة مع فتح آفاق أوسع للاهتمام بالإبداع والمبدعين في عموم مصر خدمة للثقافة العربية.
أنا ابن مرحلة ثرية من تاريخ مصر والأمة العربية، تفتحت عيني على مشروع عظيم، المشروع الناصري، وفي إطار هذا المشروع كان الاهتمام بالكتاب والقراءة والثقافة، في كل مكان مكتبة؛ في المدرسة، في الوحدة الاجتماعية، في مبنى البلدية.. كانت هناك حصة أسبوعية للمكتبة، تجلس تقرأ وتكتب ملخص ما قرأت، كانت هناك مسابقات للقراءة على مستوى المنطقة التعليمية، كانت الوزارة تهدي الطلبة كتاب مجاناً للاطلاع خارج أطر والمنهج الدراسة. أذكر أنني في الصف الأول الثانوي أهدتني المدرسة كتاب (مرآة الإسلام) لطه حسين فالمحفزات كانت كثيرة؛ في البيت كتب وفي المحيط العام كتب. إضافة للمرحلة تلك كانت البدايات على حكايات الأم والجدة، حكايات التراث الخالدة، رويداً ومع التعالق مع القراءة والاطلاع كان المشروع الناصري يضخ في اليوم الواحد عشرات العناوين من الكتب والمجلات الإبداعية والاجتماعية والثقافية، كان الكتاب بثمن (ساندويتش) خمسة قروش وهناك كتب بقرشين وثلاث وأغلى كتاب 10 قروش في صنوف المعرفة والثقافة والإبداع والترجمة.
في هذه الحقبة كانت المحفزات كثيرة، وهذه المحفزات فتحت الباب وزرعت البذرة لتكوين اهتمام كامن بالإبداع والثقافة والتنوير. حتى تأتي اللحظة التي تتفجر فيها، وكغيري من جيلي كنت أكتب ما يشبه الشعر، والشعر العامي، وأيضاً نصوصاً سردية، وتأملات وقصصاً ركيكة متأثراً بالدراما الإذاعية التي كانت لها التأثير في الشارع حيث كان الجميع يتابع المسلسلات الإذاعية كالسباعيات التي أذكت الكثير من الاهتمام، فكانت فكرة الكتابة مترسخة ومنتظرة لحظة هطولها. ويعد تراكم كبير في قراءة محفوظ والسباعي ومحمد عبد الحليم عبد الله، وإحسان عبد القدوس ويوسف إدريس والكثير من أدباء العصر العظام بكل توجهاتهم الإبداعية إضافة للترجمات من الأدب العالمي الروسي والغربي.
الكاتب عادة ما ينتصر لما يكتبه ولحظة الكتابة هي استشفاء ولحظة غياب عن الواقع المحيط، تكتب وأنت تستحضر الخيال، وكل تجربته دون وعي منك، إننا حين نكتب فإننا نتكتب الحياة من خلال وعينا ودون إدراك عميق منا بمجريات الكتابة التي تنثال في دفء هطولها سواء كانت نصاً سردياً أو نصاً شعرياً، لأن الحالة التي هيأتك للكتابة هي التي تفقدك الصلة بالواقع لحظة الدفق الإبداعي وبالتالي لا قصدية مطلقة ولا حوار متعمداً فيما تكتب، لا أفكار متعمدة تكتب، نحن نبذل ما لدينا في لحظة انفصال تام عن المحيط، وبالتالي لا تأثير سوى لخبرتك وقدرتك وتراكم ما فيك من تجارب وحوادث وأفكار حول الناس والعالم والسياسة والاجتماع والبيئة وكل شيء، فكل هذا يمور في الداخل ويعجن في أسلوبك التعبيري وفي الشكل الإبداعي الذي فرض نفسه عليك ساعة إبداعك أو فنك أو تكوينك لعوالم سردية قصصية أو روائية أو في أشكال شعرية متنوعة. وبالتالي لا تأثير مباشراً للنقد الذي يعيه الكاتب على إبداعه. وقد يدعي البعض أن النقد يؤثر على المبدع إذا كان يشتغل به، وهذا محض افتراء على النقد، لأنك حال تكتب فإن حالة الإبداع التي تأتيك هي التي تقودك إلى مخرجات تترى بكيفيتها. لكن هناك كثير من المبدعين الذين استهواهم النقد أو الدراسات لأن يتركوا الإبداع وهناك نقاد كبار في عالمنا العربي بدأت حياتهم بالإبداع وانتهت بالنقد، وذلك لأنه ربما وجد نفسه في النقد ودروبه كما أنه بالفعل يحتاج إلى وقت ودراسة وبحث واطلاع يغيبان فترات الإبداع.
تجربة الإمارات كانت المحطة الأهم في تعالقي العميق مع الكتابة، فهي تجربة ثرية قبلها كنت أكتب لنفسي إلا من بعض المحطات التي اشتغلت فيها على الدراسات التاريخية والسياسية. ولكن لما تعالقت مع اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، تقريباً في العام (1989) كان حافزاً مهماً، حيث قادني إلى تأطير توجهاتي في الكتابة بشكل فيه ديمومة وبحث مستمر، واكتشاف الساحة الإماراتية التي كانت بكراً إلى حد ما. وبدأت بشكل جدي في التعرف إلى المنتوج الأدبي الإماراتي رواية وقصة وشعراً، ومن هنا بدأت مع الدراسات الأدبية. وتوسع النشاط والحراك في الدولة زادت المعرفة وتوثقت الصلة أكثر بهذا الحراك فأصبحت أحد الذين تعرفوا على مكامنه ودروبه وكتابه وأدبائه. وتوسعت مدارك الإلمام بالساحة بتأسيس نادي القصة الذي كان لي الشرف الانتساب والإشراف عليه سنوات طوال كما شاركت في الكثير من فعاليات المؤسسات التي انتشرت في الدولة. وزادت تجربتي ثراء بانتسابي وأن أصبح جندياً في مشروع الشارقة النهضوي (دائرة الثقافة) فأضافت لي الكثير والكثير من خلال عملي في مجلة الرافد العريقة الذي استلمتها وكانت في العدد 22 حيث كانت فصلية وتحولت لاحقاً إلى كل شهرين ثم إلى شهرية لتصل الآن إلى العدد 325 سبتمبر 2024.
ومن خلال العلاقات التي تكونت من خلال العمل بالمشروع الثقافي الشارقي تعمقت تجربتي أكثر وأصبحت على دراية ودرية بمسارات العمل الثقافي ودروبه.
الذكاء الاصطناعي ابتدعه الإنسان لخير البشرية ولخيره، في مجالات مساندة ومعاونة في نواحي الحياة المتعددة اختصاراً للوقت والمجهود ورفع الكفاءة والدقة في الصناعة والصحة والبيئة وغيرها.
أما في مجال الإبداع فالأمر مختلف؛ فالعقل البشري الذي اخترع الآلة لخدمته، هو نفسه الذي يفن ويبدع في مجالات الفن والإبداع بشتى صنوفه، فإذا كان الذكاء الاصطناعي قادراً على أن يجمع أفكاراً وجملاً لإنشاء قصته أو روايته فإنه سيكون عملاً بلا روح ومهلهل التأثير لأنه بلا خيط من دفء الوجدان الذي يؤسس للإبداع، والفنان المبدع الكاتب أو الشاعر لن يلجأ إليه لأنه هو من يفن من وجدانه وعقله حالة إنسانية في شكل نص إبداعي سردي أو شعري وإذا لجأ أحدهم إلى الذكاء الاصطناعي فهو في النهاية نص صناعي لا علاقة له بالروح ولا بالإنسان، وعظمة الإبداع أنه فن مرتبط بالروح والقلب والوجدان والمشاعر، وعظمة الإبداع أنه تعبير عنّا وعن حالنا وعن أحوالنا مكتوب بحبر الروح ودم القلب ومشاعر إنسانية عظيمة. فإذا فقدت هذه الضوابط اللامرئية، كان النص مسخاً وآلياً وبلا روح ولا لزوم له. وبالتالي مهما بلغ الذكاء الاصطناعي تقدمه فإنه لن يثري أرواحنا ولن يجد لفنه صدى في قلوبنا ومشاعرنا لأنه إبداع تجميعي كاذب بلون الخديعة.
الجائزة التي أطلقتها هي مجرد لبنة صغيرة لمساندة الإبداع وفن القصة التي أحب، ومعلوم أن للجوائز سحر التأثير وتفتح أبواب التعلق والتعالق وتكون محفزة وأداة مهمة وكاشفة وساندة الإبداع بين الأجيال الجديدة، وقد أطلقتها في محافظتي (المنوفية) عرفاناً ودعماً لأبناء المحافظة، التي تعلو فيها نسبة التعليم على مدار تاريخها القديم. فمنها خرج العلماء والقادة وكبار شعراء الأمة والمجاهدين والرؤساء لهذا رأيت أن تكون الجائزة سنداً ودعماً وأداة كاشفة عن المبدعين في مجال القصة. لقد كان لها أثر عظيم في الاهتمام بها داخل وخارج المحافظة كونها موجهة للشباب والأطفال حيث بدأت دورتها الأولى للشباب ثم في دورتها الثانية التي تم الاحتفاء بها منذ أسابيع قليلة جداً ثم إضافة شريحة الأطفال وطلبة المدارس بالإضافة إلى المجموعة القصصية لعموم شباب مصر. وأتأمل أن تستمر الجائزة مع فتح آفاق أوسع للاهتمام بالإبداع والمبدعين في عموم مصر خدمة للثقافة العربية، والكشف عن المواهب والواعدين القادمين، وتقديمهم للساحة الأدبية وتسليط الضوء عليهم.
التعليقات