يوميات امرأة مسنة .. وَنَس مرةً أخرى
العدد 164 - 2025
تتناول مسرحية "الرداء المخضب بالدماء" قصة البطولة العربية وترصد الشجاعة والعاطفة والصراع الاجتماعي لتعكس عُمقًا أدبيًا وثقافيًا، وهي من تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ونشرتها "منشورات القاسمي" 2025، وتقع في ثلاثة فصول، وتُظهر كيف يمكن للحكايات والقصص للنصوص القديمة أن تُعالج بأحداث معاصرة، فالمسرح قادر على أن يحيي قصص الماضي المستوحاة من التراث العربي عابراً للحاضر كونها تجسد قيم الشرف والمكانة الاجتماعية في بيئة الصحراء، خاصة حينما تجد مؤلفاً صانعاً للأحداث أميناً صادقاً وفياً في تناول الماضي .
المسرح الشعري خاصة عند العرب أسلوب درامي حكائي يُركّز على اللغة الغنائية والمجازية، مُعزّزًا التجارب العاطفية للشخصيات. كما يهدف إلى إيصال معانٍ ومشاعر أعمق من خلال نهجه اللغوي الفريد في التعبير، إنه مسرح يركز على اللغة والأشكال الشعرية، ويختلف عن التعبيرات الدرامية العنيفة منها والتقليدية، مركزاً على الاستخدام الغنائي والاستعاري للغة، مع التركيز على المشاعر العاطفية البدوية والإنسانية للشخصيات.
النص يقدم حكاية من قصص البطولة العربية التي جرت في زمن قبيل عصر الإسلام في حي عربي قطنته قبيلتا فقعس والعبدي، وهي قصة حب جرت في صحراء العرب بين بشر بن عوانة وابنة عمه فاطمة، وكانت ذات حسن وجمال، حتى ذاع أمر جمالها الشديد بين العرب، حيث شغف بها بشر وأحبها حباً جماً، وبادلته هي ذات المشاعر، فأراد أن يتقدم لخطبتها كي يتزوجها، إلا أن والد الفتاة الأمير عمر بن فقعس، وكان هو الأمير على القبيلتين، كان له رأي آخر، خاصة بعد أن شاعت قصة الحب تلك بين أحياء العرب، وظل بشر يحاول أن ينال رضا عمه، فتقدم للفتاة أكثر من مرة، وظل والدها يرفض في كل مرة، خاصة أن أناساً في القبيلة أوغروا صدره تجاه ابن أخيه بشر، حيث كانوا يتهمونه بالطيش، وأنهم قد لاقوا منه عنتاً كبيراً، في حين كانت الفتاة متمسكة بابن عمها لا تحيد عنه.
وكان لبشر بن عوانة العبدي مكانته الكبيرة بين القبيلتين، رغم ما اتهم به من طيش، فقد كان هو فارس ذلك الحي من العرب، عرف بالبسالة والشجاعة والإقدام والجود والكرم، فكان أن حز في نفسه أن يتم التفريق بينه وبين محبوبته، خاصة مع مكانته تلك.
وبعد أن أعاد بشر طلبه مرة بعد مرة، اشترط عليه والد الفتاة أن يأتيه بألف ناقة من نوق خزاعة مهراً لابنته، وهنا قبل بشر ذلك الشرط الذي بدا قاسياً بعض الشيء، وعلى الرغم من ذلك فقد لام أعيان من القبيلة والد الفتاة على كونه قد وافق على الخطبة، غير أنه قد أوضح لهم أنه قد فعل ذلك لتدبير في نفسه، فالطريق نحو خزاعة ببطن وادي «خبت»، وعر المسالك وتحيط به المخاطر من كل جانب، وكان معروفاً في ذلك الزمان أن الطريق يسكنه أسد فتاك مفترس يدعى دادا، وحية سامة تدعى شجاعة، وانتشرت قصة الأسد والحية بين العرب في ذلك الزمان حتى صارت مثلاً فيقال «أفتك من دادا ومن شجاع».
غير أن بشراً مضى في طريقه غير هياب ولا خائف، وبالفعل، لقيه الأسد دادا في ذلك الوادي الموحش المخيف، فنزل بشر من فرسه، وأخذ يقاتل الأسد حتى تمكن منه وقتله، ولم يكتفِ بشر بذلك، بل كتب بدم الأسد على قميصه قصيدة تروي تلك الملحمة لابنة عمه.
لهذا يتميز المسرح الشعري في التاريخ العربي بتركيزه على فخامة اللغة ويُبرز هذا الأسلوب المسرحي الشحنات العاطفية للشخصيات، مما يخلق تجربة غنية ومعبرة للجمهور من خلال التركيز على الجوانب الشعرية للحوار والانفعالات والأداء، يُعزز هذا الشكل المسرحي عمق السرد، ويغمر المشاهدين في تعقيدات المشاعر الإنسانية والفنية ضمن التجربة المسرحية.
ويعتبر عرض مسرحية "الرداء المخضب بالدماء" الذي قدمته فرقة مسرح الشارقة الوطني بمهرجان المسرح الصحراوي، من إخراج الفنان محمد العامري، العمل المسرحي الثالث الذي يقدمه صاحب السمو حاكم الشارقة للمسرح الصحراوي لدفع وإثراء مسيرة المسرح والمهرجان معاً؛ إذ سبق لسموه أن كتب مسرحية «علياء وعصام» وعرضت في الدورة الأولى (2015)، في رؤية مسرحية شعرية، تجاوزت قصيدة الشاعر السوري قيصر معلوف إلى فضاءات رحبة قابلة للاشتغال المسرحي، وتدين بوضوح درامي شعري كافة أشكال العنف والقتل. وفي براعة الكاتب المسرحي القدير تتجمع خيوط المأساة كلها حول عاشقين أسطوريين (علياء وعصام) لتلتف حولهما بؤرة الحدث في حبكة مسرحية وفي متخيل رمزي يتجسد المعنى في معركة يردّ فيها فرسان القبيلة من على صهوات جيادهم أعداءهم .
ثم مسرحية «داعش والغبراء» التي عرضت في الدورة الثانية (2016)، وهي ملحمة مسرحية تمثل إضافة قيّمة لتاريخ المسرح الإماراتي، لتؤكد الدور الرائد لصاحب السمو حاكم الشارقة في دعم وإثراء حركة المسرح العربي، مادياً وفكرياً، ولتنضم إلى مجموعة أعمال سموه التي أضفت على المسرح شخصيته المميزة، وحضوره المتوهج القوي، محلياً وعربياً ودولياً في السنوات الماضية، مثل: الحجر الأسود، طورغوت، شمشون الجبار، النمرود، الإسكندر الأكبر، القضية، الواقع صورة طبق الأصل، عودة هولاكو.
التعليقات