ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة
ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

تعد الكاتبة السودانية ليلى أبو العلا واحدة من أهم الكاتبات في العالم العربي، اللاتي اتخذن طريقهن إلى العالمية، كتبت باللغة الإنجليزية، ترجمت أعمالها الأدبية إلى خمس عشرة لغة ودرست حول العالم، وقد حرصت على أن تكون نموذجاً إيجابياً للمرأة المسلمة القوية من خلال رواياتها التي تناولت فيها الرؤى العميقة لقضايا الهوية والهجرة.

وهذا ما أجمع عليه النقاد حين رأوا فيها مرآة تعكس صورة مختلفة عن المرأة المسلمة من خلال بطلاتها، فالمرأة عندها تجد ملاذها وقوتها في الدين وليس بالهروب منه، كما هو سائد في الأعمال الأدبية الحديثة، إنها قوية تصنع ذاتها بذاتها وليس كما يشكّلها الآخرون.. وهذا ما أظهرته بوضوح بانتمائها إلى المدرسة الواقعية، ويمكن تصنيف جميع أعمالها الأدبية في هذا الإطار، ويعود ذلك لتأثرها بنشأتها الأولى.

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

ولدت ليلى فؤاد أبو العلا عام 1964 بالقاهرة لأب سوداني وأم مصرية. انتقلا بها إلى السودان وعمرها أقل من شهر ونصف حيث نشأت وعاشت طفولتها وشبابها في الخرطوم في حضن واحدة من أعرق العائلات الثرية في السودان.

والدها درس في كلية فيكتوريا بمصر وكلية ترينيتي بدبلن وهو ابن عم الشاعر السوداني حسن عوض أبو العلا، ووالدتها كانت أستاذة إحصاء في جامعة الخرطوم وحصلت على درجة الدكتوراه من جامعة بلندن لتصير أشهر عالمة ديموغرافيا.

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

وجودها في أسرة ناجحة أتاح لها أن تتلقى تعليمها بمدارس إنجليزية متميزة، مدرسة الخرطوم الأمريكية ومدرسة الأخوات، وهي مدرسة ثانوية كاثوليكية خاصة. ودرست الاقتصاد بجامعة الخرطوم تخصص إحصاء. ثم سافرت إلى بريطانيا حيث حصلت على ماجستير العلوم وماجستير الفلسفة في الإحصاء من كلية لندن للاقتصاد وذلك عام ١٩٨٥. بعدها تزوجت نادر محجوب، مهندس نفط، بريطاني من أصل سوداني، وهو الأخ الأصغر للروائي جمال محجوب، وتعتبر والدته الإنجليزية الراحلة جوديث محجوب من بين المؤثرين في كتاباتها كما ذكرت. وفي عام 1990 انتقلت ليلى إلى اسكتلندا مع زوجها وأطفالها.

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

في عام 1992 وأثناء عملها محاضرة في كلية أبردين ثم كمساعدة باحثة في جامعة أبردين بدأت الكتابة وانطلقت لتسطر بقلم الإبداع وباللغة الإنجليزية العابرة للقارات أفضل ما يمكن أن تجود به قريحة إنسانة عاشت بين أشجان الغربة التي مدتها بقوة أسطورية وظّفت خيالها لتمزجه بمخزون ظل قابعاً في حنايا عقلها الباطن لذكريات وأحداث من وطن غائب حاضر يحمل ملامح الهوية التي لم تتخلَّ عنها، فخرجت لتكافح وتعرف الناس بوطنها الذي يجهلونه وعن الإسلام وترسخ هويتها. كانت تكتب لتستمد الحنين إلى السودان وإلى الثقافة العربية.

وهذا ما دأبت على ترديده دائماً: "كنت أشعر بالحنين إلى السودان والثقافة العربية، الناس من حولي لا يعرفون شيئاً عن بلدي أو عن الإسلام، المكوّنين الرئيسين لهويتي، وهذا ما زاد من إحساسي بالغربة، الظروف هي التي أجبرتنا على المغادرة ولم تكن خياراً".

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

ومن أقوالها التي تعبر عن شخصيتها وعمق رسالتها التي بادرت بعزم على حملها: "منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه الكتابة أردت أن أوضح سيكولوجية وانفعالات شخص لديه عقيدة دينية. كنت مهتمة جداً أن أغوص عميقاً، وألا أكتفي بالنظر إلى الإسلام كثقافة وهوية سياسية، بل كمكون أكثر جوهرية، ولذلك فإن الإيمان في أعمالي الأدبية، أعمق من الهوية وأكثر أهمية من الجندر والجنسية والطبقة والعرق، ولكن ذلك لا يعني إنكار هذه الجوانب الأخرى أو تجاوزها.. عندما ذهبت إلى بريطانيا في مطلع تسعينيات القرن الماضي وجدت صورة السودان مشوهة بفعل الإعلام الغربي". وتقول: "كان لا بد لي من عمل شيء يغير تلك السمعة السيئة والمغرضة، ولذلك بدأت الكتابة لتصحيح تلك الصورة القبيحة".

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

القارئ والمطلع على كتابات ليلى أبو العلا يلاحظ ذلك جلياً، فهي لم تنفصل عن حقيقة صراع ثبات الذات ومقاومة الانجراف لتجنب متناقضات قد تنال من أتخذ الغربة خياراً أو فرضت عليه فيهيم تائهاً في دروبها ويظل عالقاً ما بين لوعة وفراق.

منذ العام ١٩٩٩ وهو تاريخ نشر لأول رواية لها لم تتوقف إنجازاتها الأدبية التي جعلت الأنظار تتجه إليها فقد استطاعت أن تفرض وجودها واهتم بها جمهور من النقاد في بريطانية التي صارت تحمل جنسيتها وحصلت على جوائز متعددة خلال مسيرتها.

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

في عام 2000 حصلت على جائزة "كين" العالمية للأدب الإفريقي عن قصتها الأولى "المتحف" The Museum المُضمّنة في مجموعتها القصصية "أضواء ملونة" التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة ماكميلان/ سيلفر بن. واعتمد مشروع أمريكي عنوانه "على رفّ مكتبة المسافر الإسلامي" هذه المجموعة ضمن 25 كتاباً للتعريف بالإرث الثقافي الإسلامي مطروحة للنقاش المفتوح.

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

ورُشحت روايتها "حارة المغنى" المستوحاة من سيرة الشاعر السوداني المعروف حسن أبو العلا (1922- 1962) لنيل جائزة أفضل كتاب في اسكتلندا لعام 2011، وجرى إدراجها في القائمة القصيرة لجائزة "الكمونولث". كما تم ترشيحها هي وروايتي "المترجمة" و"المنارة" لجائزتي أورنج للرواية، وايمباك دبلن الأدبية، ووضعت صحيفة "نيويورك تايمز" رواية "المترجمة" في تصنفها السنوي لأبرز 100 كتاب لعام 2006، ووصلت ذات الرواية إلى قائمة الترشيحات النهائية لجائزة سولتير في اسكتلندا.

بدأت ليلى أبو العلا إنتاجها السردي عقب وصولها إلى بريطانيا وأبرز أعمالها:

  • “المترجمة” The Translator (1999)
  • ”المنارة” Minaret (2005)، -“وحارة المَغْنى” Lyrics Alley (2010)
  • ”كرم الأعداء” The Kindness of Enemies” (2015).

ولها ثلاث مجموعات قصصية هي:

  • أضواء ملونة” (2001)
  • "الوطن مكان آخر"” Elsewhere, Home،
  • و”متاهة كل صيف” (2017)

ومسرحيتان هما:

  • "أسد الشيشان"
  • "الحياة الخفية"

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

قام المفكر السوداني الخاتم عدلان بترجمة روايتها الأولى “المترجمة” إلى العربية، ثم تولى بدر الدين الهاشمي ترجمة روايات “كرم الأعداء،” و”حارة المغنى،” و”منارة،” وحملت هذه الأخيرة في نسختها العربية عنوان “مئذنة في ريجنت بارك” (2012). وتشارك جمال محمد إبراهيم وسامية عدنان ترجمة مجموعة “أضواء ملوّنة.” وصدرت في 2017 مجموعة “متاهة كل صيف” التي ترجمها عادل بابكر وتضمنت نصوصاً قصصية نُشرت لاحقاً بلغتها الانجليزية في مجموعة.Elsewhere, Home

وجرى بث عدد من قصص ومسرحيات الكاتبة على شكل حلقات في إذاعة الـ بي بي سي بمعالجة درامية، وتم إدراج بعض أعمالها في برامج تعليمية وثقافية مدعومة من قبل المجلس الثقافي البريطاني، ووكالة الدعم الوطني الإنساني في الولايات المتحدة.
ومن جانب آخر استطاعت الكاتبة ليلى أبو العلا أن تشغل منصب الرئيس الفخري لجمعية دراسة السودان، والأستاذ الفخري لمركز WORD بجامعة أبردين وزمالة الجمعية الملكية للأدب.

ليلى أبو العلا: زهرة أطلت وسط أشواك الغربة

ولم تقف المسيرة الأكثر ثراء على ذلك فما زالت تزخر بالعطاء وها هو العام ٢٠٢٥ لا يكاد يبارح حتى بفوز جديد حيث أعلنت رابطة القلم الإنجليزية الأدبية والحقوقية فوز الروائية السودانية المقيمة في بريطانيا ليلى أبو العلا بجائزة "بن بينتر" العام 2025 تكريماً لمجمل أعمالها التي تتناول قضايا الهجرة والإيمان وتجارب النساء المسلمات لما تقدمه من "نظرة غير متزعزعة للعالم" وتجسد "تصميماً فكرياً شرساً على تعريف الحقيقة الواقعية لحياتنا ومجتمعاتنا"، هذا ما أقرته لجنة التحكيم.

في عام 2015، لجائزة الطيب صالح، كانت الكاتبة ليلى أبو العلا ضيفة شرف في الدورة الخامسة حيث تم تدشين روايتها "حارة المغنى.. ولّى المساء" على هامشها. شاركت أيضاً في فعاليات مرتبطة بالجائزة، وقدمت شهادة إبداعية عن تجاربها الكتابية في المنابر الأدبية التي رافقت الجائزة، مع التركيز على مواضيع الهجرة والنضال.

وتمضي المسيرة بكاتبتنا التي عايشت مجتمعات متعددة فما بين الخرطوم ولندن واسكتلندا وأخيراً الدوحة.. قصص كثيرة.

التعليقات