صناعة محتوى الطفل.. بين المنافسة والمسؤولية
العدد 160 - 2024
"معاناة كبيرة في مجتمع شرقي يهتم بالابن البكر وآخر العنقود، مصارعة مع النفس، شعور بالغبن والإهمال، دافعية قوية لإثبات النفس بالصبر والمجالدة مع الزمن، تمرد خفي باطني إزاء اللامبالاة الأسرية، تفاعل نفسي داخلي ما بين الإهمال الأسري وقوة الذات الكامنة الخفية، والوصول أخيراً إلى محطة النبوغ والإبداع والشهرة، ربما".
هذا تعبير موجز ومكثف عن شخصية المولود الأوسط في ترتيب العائلة، خطه كاتب السطور – لإعطاء صورة عن وضع وتفكير الابن الأوسط في الأسر الشرقية.
الابن الأوسط هو الطفل الذي يقع ترتيبه بعد الابن البكر وقبل الابن الأصغر.
هنالك آراء للباحثين والدارسين حول مجموعة من الصفات العامة التي تميز الطفل الأوسط، وهذه الصفات نابعة من موقع الطفل الولادي في الأسرة، وهي صفات عامة، ولكن لا بد من الإشارة هنا إلى أنها ليست مؤكدة وقطعية، فلكل أسرة نظامها التربوي الذي يميزها عن غيرها من الأسر، ولكل أسرة طريقة معينة لتعامل الوالدين مع أبنائهما، وهذا ينعكس سلباً أو إيجاباً على سلوك الأبناء.
لعل من أهم صفات الابن الأوسط أنه يحب الاستقلالية والاعتماد على الذات، وذلك بسبب ترتيبه في السلم الولادي – إن جاز التعبير – فالابن البكر يعتمد على الوالدين في كثير من الأمور إلى أن يكبر ويحاول الاعتماد على نفسه، وهو مدلل لأنه الطفل الأول، لكن الأوسط يتميز بالهدوء وموازنة الأمور والتريث في اتخاذ أي قرار وهو يعاني الاضطهاد وقلة العدالة في تعامل الوالدين معه بالمقارنة مع الابنين البكر والأصغر، ربما هذا غير مقصود من الوالدين لكنه حاصل على أي حال، لأن الابن البكر يحظى بأهمية كبيرة بخاصة في الأسر الشرقية التي تولي الابن البكر أهمية فائقة، هذا – بطبيعة الحال – يؤثر لاحقاً على الطفل الثاني – الأوسط – ويخلق لديه مركباً أو عقدة يسميها علماء النفس بـ(عقدة الابن الأوسط)، وهو، أي الابن الأوسط، يحاول إزاء هذا التعامل أن يثبت نفسه؛ سواء بالاجتهاد الدراسي أو النبوغ في هواية أو حرفة أو فن أو عمل ما، كما أن متلازمة الطفل الأوسط تعبير علمي يطلقه المتخصصون النفسيون على الطفل الذي يعاني مشاعر الفراغ التربوي تجاهه من الوالدين، وعدم الكفاية في العناية الأسرية، والغيرة، والتقليل من شأنه، إلى جانب الانطواء الشديد بخاصة في سنوات ما قبل البلوغ، وكذلك الرغبة في التنافس للحصول على الاهتمام، فيما يتفق أكثر الخبراء على أن هذا النوع من الأطفال يتصفون بالإصرار والصبر ومحاولة البروز بين أشقائهم الآخرين، وهم الأكثر تمرداً على قوانين وتقاليد الأسرة والمدرسة والمجتمع.
الطفل الأوسط هو الأكثر مرحاً وتواضعاً من أخويه الآخرين وهو ربما يصدر أصواتاً ويحدث حركات لبث الفرح والسرور في الجو الأسري، وهو الأقل تمسكاً بالتقاليد الأسرية والاجتماعية، ويميل للتغيير ومواكبة البيئات الجديدة والتكيف معها بشكل أسرع من غيره من الأبناء، وهو يبتعد عن التعقيد في الرؤية للأمور ويميل للتبسيط أكثر من الابن البكر والابن الأصغر.
وهو يتعرض كما ذكرنا لإهمال الوالدين؛ فحتى الثياب الجديدة يحرم منها بصورة شبه دائمة؛ لأن الوالدين يريدان أن يرتدي ثياب أخيه الأكبر مما يخلق لديه حساسية وغيره وشعوراً بالغبن والإهمال.
يقول دالتون تونلي مؤلف كتاب "نظام التسلسل الاجتماعي": "تقل نسبة إرسال الأطفال الذين يقعون في الوسط إلى المدارس الخاصة بنسبة 25% مقارنة مع أشقائهم، كما أنهم من المحتمل ألا يحصلوا على ما يرغبون به خمسة أضعاف أشقائهم". مضيفاً أن الأطفال في هذه الفئة يميلون إلى الثورة وحب التنافس، وقد لا يشعرون بالانتماء بشكل كامل للعائلة بسبب الفروق في المعاملة، لكنهم مع ذلك محبون للسلام، كما أنهم دبلوماسيون ومرنون، إلى جانب أن الكثير منهم اجتماعيون ومستقلون وكرماء.
كما أن الطفل الأوسط يتميز بالإيثار ورغبته في مساعدة الآخرين ويميل للعطاء أكثر من الأخذ.
يشار أيضاً إلى أن كبار الشخصيات في العالم كانوا أبناء وسط، دفعهم موقعهم وسط أخوتهم إلى تمييز أنفسهم وتقوية عودهم والاعتماد بشكل أكبر على أنفسهم حتى باتت الصعاب سهلة والعقبات مذللة والنجاح أكيداً.
يمكن للأسرة تفادي عقدة الابن الأوسط باتخاذ عدة إجراءات منها:
التعليقات