صناعة محتوى الطفل.. بين المنافسة والمسؤولية
العدد 160 - 2024
"سعادة أطفالنا هي هدفنا الأساسي في الحياة"... هذا ما يردده كل أب وأم من لحظة وصول فلذة كبدهم إلى الحياة.. ويظن الكثير من الآباء والأمهات أن السعادة هي تجنيب أبنائهم الاحساس بأي نوع من الحرمان أو قسوة الحياة التي قد يكون أحدهما أو كلا الوالدين قد عاشاها.. وهنا يأتي التساؤل الذي لا يدركه كثيرون في زحمة الحياة، هل هدف الأم والأب هو تربية أبنائهم ليكونوا فقط سعداء في الحياة أم لتكون لهم شخصيات مستقلة قادرة على مواجهة مصاعب الحياة؟
رولا محمد كانت ممن دفع ثمن الحب الأعمى الذي يمنحه الوالدان لأبنائهم تروي قصتها لمرامي قائلة: "أنا الابنة الصغرى، ونشأت في ظل أسرة كانت تلبي لي كل طلباتي، وكانت تفرق في المعاملة بيني وبين أختي التي تكبرني بثلاثة أعوام، فهي كانت تتحمل وحدها المسؤولية، وبقيت أنا في نظرهم طفلة صغيرة لا ينبغي أن أتعرض لأي عقاب أو ضغط، وكبرنا لتصبح أختي ناجحة في حياتها وعملها وأغرق أنا في الفشل الدراسي والمهني، ولليوم وكما نشأت أختي على تحمل المسؤولية، لازالت تهتم بأمري وترعاني، لذا أتمنى أن أتغير ولا أستطيع، وأتمنى لو يعود بنا الزمن وأتعلم أن الحياة لها وجهان، وأن الحرمان يجعلنا ندرك قيمة النعم، وأن القناعة والرضا من أهم شروط النجاح.
ولعدي محمود قصة مختلفة تماماً عن قصة رولا تجمع بين مرارة الحرمان من الأب والأم والمسؤولية يسردها لمرامي قائلاً:" حرمت من حنان الوالد مذ كنت في الرابعة من عمري بسبب خلاف بين والديّ انتهى بالطلاق، وحصول أمي على حضانتي، ولكنها بعد فتره تزوجت وتركتني في كنف والديها جدي وجدتي، وقد وفرا لي كل سبل الرعاية والاهتمام والحب، وحرصا على أن أكمل دراستي، ونشأت سعيداً بينهما وأدركت أن الله أرسلهما لي كي يعوضاني عن حرماني من حنان والديّ، وتربيت على يد رجل جعلني سعيداً كما أنه جعلني أعرف ما هو جوهر المسؤولية وأنه لولا الشعور بالحرمان لن ندرك قيمة ما بين أيدينا أبداً، حتى أنه حرص على أن أعمل معه في المطعم خلال أوقات فراغي كي أتعلم أهمية العمل الجاد في وقت مبكر، ومن تجربتي أؤكد أن التربية بحزم وتحمل المسؤولية لا يتعارضان مع الحب والحنان.
ويؤكد علاء عزت لمرامي أن سبب حرص بعض الآباء على عدم تحمل أبنائهم أي نوع من المسؤولية، وتلبيتهم لكافة رغباتهم، هو بهدف جعلهم سعداء، ولكن في الواقع هذا ينعكس بالسلب على شخصية الأبناء ومستقبلهم، وعلى كل أم وأب الاطلاع على كتب تربية الطفل والاستفادة من آراء الخبراء وتجاربهم قبل الوقوع في أخطاء تربوية فادحة تنعكس بالسلب على نفسية ومستقبل الأبناء.
أما نهاد الحراكي، فترى ضرورة أن نتطور فكرياً ولا نقلد الآباء والأجداد في أسلوب تربيتهم للأبناء، فالزمن يختلف ومتطلبات كل زمان تختلف كذلك، كما أن علينا ألا نربي أبناء يعانون من الإعاقة...بمعناها الفكري والسلوكي، فالطفل المدلل الاتكالي هو شاب غير مسؤول وعاجز عن تحمل أي صعوبات وأي ضغوط، علينا أن نعلم أبناءنا أهمية الحب وقيمة الحنان، وأهمية أن يكونو أشخاص مسؤولين في المستقبل وقادرين على اتخاذ القرارات وتنفيذها ومد يد العون للآخرين وترك بصمة في المجتمع، عوضاً عن أن يكونو هم عالة على هذا المجتمع بضعفهم وعجزهم.
التعليقات