الأدب الإماراتي يكتب محليته لقُراء عالميين بقوائم البوكر

الأدب الإماراتي يكتب محليته لقُراء عالميين بقوائم البوكر
الأدب الإماراتي يكتب محليته لقُراء عالميين بقوائم البوكر


وُلد الأدب الإماراتي من ثقافة أصيلة ونما هويته التراثية مُصغيًا إلى ذاكرةٍ غنية بالحكايا الشعبية والسيّر الشفهية رواها الأجداد في مجالس البدو، حتى انفتح على الأساليب السردية وتيارات الحداثة في طريقه نحو التجديد دون أن ينفصل عن صحراءه بل لاصقًا لغته برمالها في تلاقح خصبٍ بين الماضي والحاضر، خاصةً في سياق التحولات التي شهدتها من بلد تقليدي إلى دولة حديثة ووجهة سياحية منفتحة التعايش. فقيل الشعر وسُجلت القصة وكُتبت الرواية بينما تألقت الكِتابات النسوية وبرزت أقلام شابة تُراهن على الأسلوب وتُجاهر عبره بالتجريب على الصفحات المطبوعة، ليشهد نهضة نوعية لم تعد حكرًا على النخبة بل أضحى مجالاً مفتوحًا بحضور دور النشر ومعارض الكتب ونوادي الكِتابة وملتقيات القراءة ومنصات التواصل التي قربت المسافة مع مُراجعات النُقاد، متجاوزًا بذلك حدوده الجغرافية في أروقة الترجمة الغربية للغته السامية، فقُرأ في العواصم الثقافية ودُرس في جامعات مرموقة وناقش فيه مفكرون مفتونين بتفرده ومندهشين من قدرته في المنابر الدولية ليدخل مضمار المقارنة الأدبية، دون أن يغب عن ساحات أرفع الجوائز الإقليمية ليتردد اسمه في القوائم الطويلة والقصيرة كجائزة البوكر العالمية للرواية العربية، مُثبتًا أن الإبداع الإماراتي ليس فرع نابت في تربة محلية إنما غَرسٌ عُمقه يجوب العالمية.

الترشيحات الإماراتية بجائزة البوكر

أظهرت جائزة البوكر العالمية للرواية العربية التي انطلقت عام 2008 في العاصمة أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة ويُنظمها مركز أبوظبي للغة العربية بتمويل من دائرة الثقافة والسياحة برعاية من مؤسسة جائزة بوكر البريطانية في لندن حيث مقرها، حرصها إلى مكافأة التميّز في الأدب المعاصر وأولت اهتمامها بملامح الأدب الإماراتي البارز في المشهد العربي وتنافسه في الساحة العالمية، إذ أضحى له حضور قوي وجد فيه عدد من الروائيين الإماراتيين طريقهم إلى القوائم الطويلة والقصيرة، جاذبين الانتباه من خلال أعمال خُطت لتخرج من المجتمع المحلي في حوار مفتوح حول التحديات البشرية التي تجمع الشعوب العربية وتجذب من حولها آذانًا صاغية في العالم. فالنصوص الإماراتية تنقل تجربة إنسانية ذات أبعاد شعبوية تُعبر عن قضايا مجتمعية، إذ لم تخشى من التطرق إلى التحديات المعاصرة كالصراع بين الحداثة والتمسك بالتقاليد وتوازن الهوية، مُجسدةً تلك الروابط التي تجمع الناس في مختلف بقاع الأرض تحت نفس السماء. مما يبرهن أن التنافس الشديد الذي شهده الأدب الإماراتي في جائزة البوكر العالمية للرواية العربية لا يعكس فقط جودة الأعمال الأدبية المرشحة على الفوز والتتويج باللقب، إنما قدرة الأدباء الإماراتيين على تقديم أنفسهم كجذر أصيل من النسيج الحضاري دون التفريط بخصوصيتهم الثقافية في الأعمال الأدبية بين الشرق والغرب، إذ ارتفع مستوى الإقبال على تداول قراءته عبر حقل الترجمة.


إماراتيون في قوائم الفوز

الأدب الإماراتي يكتب محليته لقُراء عالميين بقوائم البوكر

في سنة 2017 كان الدكتور سلطان العميمي أول إماراتي وصل إلى القائمة الطويلة في بوكر العرب بروايته "غرفة واحدة لا تكفي" بعد 19 إصدارًا منه 14 دراسة عن الأدب الشعبي وثلاث مجموعات قصصية وعملان روائيان. ارتكز كتابه على حكاية عن شخص فتح عينيه ليجد نفسه وحيدًا دون أحد معه في غرفة مغلقة لا مفتاح لبابها سوى ثقب في قفلها يظهر له ملاصقته لشخص آخر مثله، إنما المختلف يجيء في عيشه لحياة طبيعية حاملاً شكله وتصرفاته وهواياته دون أن يتمكن من إجراء أي تواصل من أي نوع معه، ومن هنا تبدأ محاولاته في الخروج من عزلته متسلحًا بالكِتابة مع قلم حبرٍ لقيه في جيب ثوبه. وقد نجح في تقديم صورة دقيقة عن المجتمع الإماراتي مركزًا على التحولات الاجتماعية وتحديات الهوية في ظل العلاقات الإنسانية وانفتاح الثقافات، ليجذب إليها وسط 186 رواية تم نشرها في الفترة ما بين يوليو 2015 ويونيو 2016 من 19 بلدًا على امتداد رقعة العالم العربي لأعمار مختلفة تراوحت بين 37 و76 عامًا اهتمام أعضاء لجنة التحكيم التي ترأستها سحر خليفة وشكل كل من سحر الموجي وصالح علماني وصوفيا فاسللو وفاطمة سالم الحاجي أعضاءً لها، لتُنافس مع ستة عشرة رواية في القائمة الطويلة أيام التراب لزهير الهيتي وباولو ليوسف رخا وسفاستيكا لعلي غدير وسنة الراديو لرينيه الحايك وفهرس لسنان أنطون ومذبحة الفلاسفة لتيسير خلف والمغاربة لعبدالكريم جويطي ومنتجع الساحرات لأمير تاج السر وهوت ماروك لياسين عدنان، بينما وصلت ست روايات إلى القائمة القصيرة وهي أولاد الغيتو – اسمي آدم لإلياس خوري وزرايب العبيد لنجوى بن شتوان والسبيليات لإسماعيل فهد إسماعيل وفي غرفة العنكبوت لمحمد عبدالنبي ومقتل بائع الكتب لسعد محمد رحيم، فين حين حصدت موت صغير لمحمد حسن علوان اللقب. وحُظيت بعناية من عديد النقاد والباحثين الذين كتبوا في خطابها السردي عدة مقالات ودراسات عُنيت بتحليل عوالمها الخاصة، من بينها كتاب البُعد الثالث في رواية غرفة واحدة لا تكفي للروائي سلطان العميمي قدمتها سناء العزة، وكتاب مفاتِحُ لغرفة واحدة تحليل مجهري تداولي لرواية غرفة واحدة لا تكفي لسلطان العميمي استعرضه عبدالملك مرتاض.

المرأة الإماراتية باللائحة القصيرة

الأدب الإماراتي يكتب محليته لقُراء عالميين بقوائم البوكر

كذلك تصدرت منفذة الصفحات في صحف رسمية إماراتية الصحافية ريم الكمالي في سنة 2022 كأول إماراتية تصل إلى القائمة القصيرة في ذات المُنافسة بروايتها "يوميات روز" حيث تحسب على المرأة انتماءها إلى كُتب ميتة في عمل ذي حس أنثوي باحثًا عن الإبداع النسائي في فترة الستينيات تحديدًا من عام 1953 كمرحلة مفصلية هيمنت فيها فكرة صعود العروبة وزمن الاستقلال من الاحتلال، لتنقل قصة صاحبة الحكاية في أول فصل دراسي للمرأة في الإمارات قبل قيام الاتحاد ساردة عبرها غصة التهميش على الصعيد الوجودي لتبدو أقرب إلى كونها قضية امرأة من طراز خاص تُحرم من بعثة دراسية في دمشق لدراسة الأدب العربي فتقرر أن تفتح دفترها وتبدأ بخبط القلم على رأسه حتى تُعبر وتًعبر عن فكرة الانتصار على الواقع من الخيال. وقد أخذت ألقها بين 122 رواية تم نشرها في الفترة ما بين يوليو 2020 ويونيو 2021 من تسعة بلدان عربية لأعمار مختلفة تراوحت بين 30 و65 عامًا، حيث لجنة التحكيم التي ترأسها شكري المبخوث وجاء في أعضاءها كل من إيمان حميدان وبيان ريحانوفا وعاشور الطويبي وسعدية رح، لتظهر ضمن ستة عشرة رواية في القائمة الطويلة مع البحث عن عازار لنزار آغري وأم ميمي لبلال فضل وأين اسمي لديمة الشكر وحكاية فرح لعزالدين شكري فشير وخادمات المقام لمنى الشمري ورامبو الحبشي لحجي جابر وزنقة الطليان لبومدين بلكبير والمئذنة البيضاء ليعرب العيشى وهمس العقرب لمحمد توفيق والهنغاري لرشدي رضوان، في حين نافست في القائمة القصير كل من ستة إصدارات جاءت بأسير البرتغاليين لمحسن الوكيلي والخط الأبيض من الليل لخالد النصر الله ودلشاد لبشرى خلفان وماكيت القاهرة لطارق إمام، بينما اكتسحت خبز على طاولة الخال ميلاد لمحمد النعاس المركز الأول. ونقلاً عن مُقابلة صرحت عبرها في حديث لها، قالت: "بدأت يوميات روز بعد أن سألت نفسي من الذي كتب من النساء في الإمارات قبل قيام دولة الاتحاد في حقل الأدب؟ ثم سألت غيري من سيدات محليات من الجيل القديم اللواتي تعلمن في مدارس نظامية منذ خمسينيات القرن العشرين وتخرجن في الستينيات لماذا لم يكتبن إبداعًا في تلك الفترة؟ هذا الخيال دفعني نحو الثقافة الأصيلة التي يكتبها أهلها لا الغرباء، وإنصاف المرأة الكاتبة قبل زمني بنصف قرن أيام ما كانت تواجه ثقافتين على ساحلها من جهة الإنجليزية بتحكمهم العسكري ومن الأخرى الثقافة القومية العربية المنتشرة حينها حضورًا."

تجديد النص الإماراتي المُشارك

الأدب الإماراتي يكتب محليته لقُراء عالميين بقوائم البوكر

بينما فاجئت المهندسة صالحة عبيد سنة 2024 الجميع بروايتها الثانية"دائرة التوابل" من أدبيات الرائحة بعد ثلاث مجموعات قصصية ، لتستحوذ على أنظار القراء والمراجعين والنقاد معًا في أوج فترة الحجر المنزلي أيام كوفئيد -19، إذ شغلتها فكرة تعطل الحواس بسبب المرض وتسلل إلى اللاوعي الخاص بها لتكتب عن شما بقدرتها الخارقة على الشم ضمن سلالة آل التوابل وأشكال الأنوف والذهاب إلى ما وراء تلك الحاسة مباشرة، فلولا أن عطست أمّها لظلّت في بطنها! وبالملكة نفسها تمكنت من أن تميز البشر وحالاتهم النفسية من خلال روائحهم على نحو ما يفعل سائر الناس من وحي سلوكهم المكشوف، حتى فككت التراتبية الهرمية بين الذكر والأنثى المضمرة في المجتمع العربي في استعانتها بالبهارات المشكلة التي تلائمت مع ما يناسب البيئة المحلية وتاريخها الداخلي عبر حركة الاستيراد، إذ كان البدوي إن ضل طريقه يشتم التربة فيعرف أين مكانه وكيف الاتجاه، في تشبيه مفاده أن لا وجود لإنسان لا رائحة له. وقد شارك العمل الأدبي ضمن 133 رواية تم نشرها بين يوليو 2022 ويونيو 2023، عاينت الأعمال المُشاركة لجنة تحكيم ترأسها نبيل سليمان وضمت في عضويتها كلاً من فرانتيشيك أوندراش وحمور زيادة ومحمد شعير وسونيا نمر، لتصل مع ستة عشرة رواية إلى القائمة الطويلة وهي كل يوم تقريبًا لمحمد عبد النبي وأخفى من الهوى لدرة الفازع وعاصفة على الجزر لأحمد منور ونهج الدباغين لسفيان رجب وفومبى لبدرية البدري وعين الحدأة لصالح الحمد والأصنام لأمين الزاوي وسمعت كل شيء لسارة الصراف والوجه الآخر للظل لرشيد الضغيف.
وظل التنافس قائمًا بين ستة روايات وصلت إلى القائمة القصيرة كمقامرة على شرف الليدي ميتسي لأحمد المرسي وسماء القدس السابعة لأسامة العيسة وباهبل: مكة 2009-1945 لرجاء عالم و خاتم سليمى لريما بالي والفسيفسائي لعيسى ناصري، بينما نالت قناع بلون السماء لباسم الخندقجي فوزًا مغايرًا لأول أسير فلسطيني محكوم بثلاث مؤبدات في سجون الإحتلال الإسرائيلي.

منافسة إماراتية على اللقب

الأدب الإماراتي يكتب محليته لقُراء عالميين بقوائم البوكر

أما نادية النجار فلم يسرقها الحاسب الآلي من الآلة الكاتبة لتنحي تخصصها منه شغفًا بالموهبة التي خلدتها بمقولتها: "الأدب الجيد ينتصر للإنسان"، لتسلط الضوء على قضايا ذوي الاحتياجات الخاصة في أدب الطفل والقصة القصيرة والعمل الروائي والمقالة الصحفية، حتى شغلتها فكرة العمى وكيف يعيش الكفيف في عالم المُبصرين في رحلة طويلة من البحث عن ماهيته وأنواعه وأسبابه، فكانت النتيجة صدور رواية "ملمس الضوء" سنة 2024 في حكاية مع الشابة الكفيفة نورة التي ترى ما حولها دون أن تفتح عينها مستعينة بتطبيقات إلكترونية أحدهما كان "كن عينيّ" والآخر "سيينغ آي"، عائدة إلى الوراء عبر قرابة قرن كامل من زمن 1922-2020 في فترة ما بين الحربين العالميتين والتحول الذي شهدته منطقة يعتمد مجتمعها على رجاله في حقبة ما قبل اكتشاف النفط في دول الخليج، حيث كانت الصور الفوتوغرافية بمثابة مخزون لأرشيف من الذاكرة الجمعية. وقد ترشح العمل بإشادة لجنة التحكيم التي ترأستها منى بيكر وعضوية كل من بلال الآرفه لي وسامبسا بلتونن وسعيد بنكراد ومريم الهاشمي وسط 124 رواية عربية لفئات عمرية توزعت بين 38 عامًا و58 عامًا، وقد برزت وسط 16 عملاً آخرًا في القائمة الطويلة التي شملت أحلام سعيدة لأحمد الملواني والمشعلجي لأيمن رجب طاهر وهوّارية لإنعام بيوض وأغنيات للعتمة لإيمان حميدان والأسير الفرنسي لجان دوست والرواية المسروقة لحسن كمال وما رأت زينة وما لم ترَ لرشيد الضعيف ووارثة المفاتيح لسوسن جميل حسن والآن بدأت حياتي لسومر شحادة والبكاؤون لعقيل الموسوي، فيما يُنافس في القائمة القصيرة مع كل من دانشمند لأحمد فال الدين ووادي الفراشات لأزهر جرجيس والمسيح الأندلسي لتيسير خلف وميثاق النساء لحنين الصايغ وصلاة القلق لمحمد سمير ندا.

التعليقات

فيديو العدد