علم اجتماع الإنترنت

علم اجتماع الإنترنت
علم اجتماع الإنترنت

علم اجتماع الإنترنت فرع جديد من فروع علوم الاجتماع، وهو مصطلح لم يحظَ باهتمام في المشهد الثقافي العربي، وحتى إنه لم يلقَ الاهتمام في المشهد الأكاديمي والجامعي العربي، الأمر الذي يدعونا في هذا المقال أن نسلط الضوء عليه لتعريفه للقراء الأعزاء وكل من له اهتمام في هذا المجال.

علم اجتماع الإنترنت يتناول العلاقة بين التقنية والمجتمع، وباعتباره مصدراً، يشير مصطلح علم اجتماع الإنترنت إلى تطبيق مبادئ النظرية والمنهج الاجتماعي على الإنترنت للمعلومات والتواصل.

اهتم علماء الاجتماع بدراسة الآثار الاجتماعية الناتجة عن استخدام وسائل التكنولوجيا، التي أصبحت منتشرة، فضلاً عن وسائل الشبكات الاجتماعية الحديثة والمجتمعات الافتراضية ووسائل التفاعل المتعلقة بالجرائم الإلكترونية. ويعد الإنترنت الوسيلة الأحدث في سلسلة اختراقات المعلومات الرئيسية، محل اهتمام علماء الاجتماع بالعديد من الوسائل، باعتباره أداة لعمل الأبحاث. على سبيل المثال من خلال استخدام الاستبيانات التي تتم عبر الإنترنت بدلاً من الاعتماد على الاستبيانات الورقية.

ويهتم علم اجتماع الإنترنت في معناه الأكثر دقة بتحليل مجتمعات الإنترنت (على سبيل المثال تلك المجتمعات التي تتواجد في شكل مجموعات إخبارية) والمجتمعات الافتراضية والعوالم الافتراضية والتغيرات المؤسسية المدفوعة من الإعلام الجديد مثل الإنترنت والتغير الاجتماعي، وبشكل عام نتيجة للتحول من المجتمع الصناعي إلى المجتمع المعلوماتي (أو إلى مجتمع المعلومات) وفي إطار ذلك، يمكن دراسة مجتمعات الإنترنت إحصائياً من خلال تحليل الشبكة، وفي نفس الوقت يتم ترجمة ذلك نوعياً على سبيل المثال دراسة الإيثنوغرافيا الافتراضية، يمكن كذلك دراسة التغير الاجتماعي من خلال التركيبات السكانية الإحصائية أو من خلال ترجمة الرسائل والرموز المتغيرة الواردة في الدراسات الإعلامية التي تتم عبر الإنترنت.

يشير الدكتور نديم منصوري إلى وجود اختلاف بين المجتمع الإلكتروني والمجتمع الافتراضي، وأن هناك من يلتبس عليه الأمر بالخلط بين المجتمعين؛ فالمجتمع الإلكتروني هو ذلك المجتمع الذي تكون مكوناته الأساسية الحواسيب والاتصالات وشبكات الوسائط المتعددة، ويضم هذا المجتمع أشكالاً متنوعة من الخدمات، فهناك التجارة الإلكترونية والتوظيف الإلكتروني والحكومة الإلكترونية والتعليم الإلكتروني والنشر الإلكتروني والكتاب الإلكتروني.. الخ. هذه الخدمات وغيرها تترك الأثر في الفرد والمجتمع، وتخلق طبيعة جديدة تتميز عن الأجيال السابقة للتكنولوجيا الرقمية، وتشكل صلب موضوع علم اجتماع الإنترنت.

أما المجتمع الافتراضي Virtual Community فهو تطور طبيعي للثورة الرقمية، جاء ليؤسس نمطاً جديداً من التعامل والتفاعل والتواصل من ضمن سياق معولم "سيبراني" كما أنه يمثل مرحلة القطيعة مع النماذج الاتصالية التقليدية في إدراك الواقع وادارته، ويؤسس لرؤية جديدة قائمة على قيمة التفاعلية والتواصلية والشفافية، والمجتمع الافتراضي هو مجموعة من الأفراد الذين يشاركون عبر شبكة الإنترنت لفترة زمنية لتحقيق غاية أو هدف أو هواية من خلال علاقة اجتماعية – افتراضية تحددها منظومة تكنو – اجتماعية، هذا يعني أن ما يميز المجتمع الافتراضي هو أنه نتاج عقول إنسانية وتفاعلات آنية، ذلك أنه باستطاعة المستخدمين أن يصمموا المجتمع الذي يريدونه وفق الهدف الذي يصبون إليه، علماً أن هناك تنوعاً كبيراً في هذه المجتمعات؛ فنجد المجتمعات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية والتعليمية.. الخ

وبالارتباط بما تقدم يمكن القول إن علم الاجتماع التقليدي لم يعد ملبياً لحاجات المجتمعات الجديدة لمواكبة الحياة الاجتماعية نفسها؛ لأن معظم مناحي الحياة والعلاقات الاجتماعية وتفاعلات الأفراد فيما بينهم قد تحول إلى شكل جديد ونمط جديد من التفاعل الإنساني المرتبط رقمياً بشكل وثيق عبر الفضاء السبراني.

الباحث اللبناني د. غسان مراد الذي ألف كتاباً بعنوان "الإنسانيات الرقيمة" له تسمية أخرى لعلم الاجتماع الإنترنت هي "علم الإنسانيات الرقمية" ، يرى أن التقنيات الرقمية أثرت في كيفية التعليم والتدريب، وفي علم التاريخ والأدب والآثار والمكتبات والمتاحف والمسرح والألسنية، والدين والاعلام، والإعلان، والفلسفة والقانون والصحافة، والفن والرسم وغيرها.

إن علم اجتماع الإنترنت يأخذ أهميته الاستثنائية اليوم ومستقبلاً؛ لأن ساحة التواصل الرقمي الإنساني أضحت واسعة وممتدة وخارقة للأسوار والفضاءات، وهناك إشكالات اجتماعية عديدة تسببها وسائل وبرامج التقنية الحديثة. على سبيل المثال، التواصلات بين أشخاص يعرفون أو لا يعرفون بعضهم، والألعاب المشتركة الإلكترونية عبر الإنترنت بين أطفال من مختلف الجنسيات والبلدان، ومخاطر هذه الألعاب ومخاطر أخرى ناجمة عن مستخدميها غير المعروفين.

إن التأثير بفعل التقنية الرقمية اجتماعياً بات كبيراً، وأيضاً العلاقات الزوجية باتت هي الأخرى تتأثر سلباً من جراء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والنت عموماً، بحيث وصل الأمر إلى أننا نحتاج إلى متخصصين اجتماعيين مهتمين بعلم الاجتماع "الإنترنيتي"، ويمكن "للتواصل المفرط عبر الشبكات الاجتماعية أن يتجاوز كل الحدود وصولاً إلى اختلال العلاقات الشخصية، والإضرار بالمهن والزواج وحتى هدمها، ومن الممكن أن يستبدل الوقت الذي نقضيه في المحافظة على العلاقات، كما يؤدي إلى زيادة فرص التواصل مع الشركاء السابقين أو الشركاء المستقبليين المحتملين، وكلاهما يؤدي إلى الإغواء أو إلى الغيرة في العلاقات الحالية، ووجدت دراسة أجريت في العام 2013 أن المستويات المرتفعة من استخدام الفيسبوك ترتبط بنتائج سلبية في العلاقات، مما يؤدي إلى مزيد من الخيانة والانفصال والطلاق، وقد تأثرت هذه النتيجة بمقدار الصراع الذي عايشه الزوجان فيما يتعلق بالفيسبوك.

التعليقات

فيديو العدد