ملحمة تاريخية بتوقيع سلطان القاسمي

ملحمة تاريخية بتوقيع سلطان القاسمي
ملحمة تاريخية بتوقيع سلطان القاسمي

رواية (مقاومة خورفكان للغزو البرتغالي) خلدت مآثر الأجداد من أجل الوطن..

لا شك أن أدب صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم إمارة الشارقة، يشكل حالة استثنائية، تتراوح ما بين الوجدانية والعقلانية، متسقة وكل المضامين الإنسانية الباحثة عن الحرية، لترسم لنا خارطة عروبية نهتدي بها، الخالصة من أية مفاهيم قد تلقي بضبابية راهنة، على شموس عزتنا، التي أضاءت العالم لعدة قرون.
وأصدرت منشورات القاسمي، بالشارقة، رواية (مقاومة خورفكان للغزو البرتغالي سبتمبر عام 1507م، فبراير 1534م) لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي.
فبعد (516) عاماً من هذه الملحمة البطولية، التي جرت على أرض خورفكان الأبية، لأجداد سطروا بدمائهم أسمى معاني الدفاع عن الأرض، وتطهيرها من قبضة الغزاة، تأتي رواية سلطان القاسمي، لتخلد هذه المآثر، وتعيد إلى الأذهان هذه البطولات والتضحيات التي قدمها السلف للخلف.

ملحمة تاريخية بتوقيع سلطان القاسمي
ملحمة تاريخية بتوقيع سلطان القاسمي

فرواية مقاومة أهالي خورفكان لغزو البرتغاليين، رواية التاريخية، جرت أحداثها في القرن السادس عشر، جاءت بتوقيع وتوثيق محكم من سلطان القاسمي، لتروي لنا قصة الأجداد الذين عاصروا هذه الأحداث، ومدى شجاعتهم وتمسكهم بحقهم في مواجهة الغزاة، وثباتهم على أرضهم، وعدم تفريطهم فيها مهما كلفهم ذلك من زهق للأرواح، أو جدع للأنوف أو قطع للآذان، كما تسرد الرواية بطولات أهالي خورفكان، وكيف استطاعوا مواجهة الأسطول البرتغالي بقيادة ألفونسو دي البوكيرك.
ذاك القائد البرتغالي المتيم بشخصية الإسكندر المقدوني، تجلى ذلك من خلال لقائه بالرجل المسلم (كما وصفه سلطان القاسمي في الروية) بأنه كان واحداً من حكام ثلاثة لخورفكان، ولكن تقدمه في العمر أقعده عن المشي، فلما مثل بين يدي ألفونسو دي البوكيرك، ودار بينهم حديث من أروع ما يكون، بين صاحب الأرض والمعتدي.
(فسأله ألفونسو دي البوكيرك عن أمور "هرمز" فذكر له المسلم الكبير السن فيضاً من المعلومات عنها، وحكى كثيراً عن تاريخ مملكة هرمز فقد كان رجلاً كبيراً وعلى علم وافر، وامتدح الروح القتالية للبرتغاليين، قائلاً إنه لا يتجاوز الحقيقة إن قال: إنهم قادرون على غزو العالم كله، فهو، وقد قرأ عن حياة الإسكندر الذي فتح العالم لا يرى أن جيش الإسكندر يتفوق على جيش البرتغاليين في شيء).
وانتهى الحوار بإعجاب القائد البرتغالي ببلاغته وعلمه بتاريخ وحياة الإسكندر، الذي هو يعتبر المثل الأعلى للقائد البرتغالي، الذي يميل كثيراً إلى تقليده في أفعاله.

ملحمة تاريخية بتوقيع سلطان القاسمي
محمد خلف

ولما سأل البوكيرك، الرجل المسلم في أي كتاب قرأ عن الإسكندر، وقتها سلمه المسن كتاباً بالفارسية كهدية، قدر ذلك البوكيرك تقديراً بالغاً أكثر من تقديره لأي شيء آخر قدم له، وتقبلها كهدية واعتبرها فألاً حسناً للأمر الذي هو مصمم عليه، غزو هرمز.
وهنا يصف – سلطان القاسمي – فرحة الرجل حين أصدر ألفونسو أمراً بإهدائه ثوباً قرمزياً وهدايا أخرى من البرتغال (ففرح بها الرجل المسلم فرحاً شديداً، لكن فرحته بها لم تكن تعادل فرحة إطلاق سراحه بأنف لم يجدع، وأذن لم تقطع).

وتسرد الرواية كيف جاء البرتغاليون قبل عدة سنوات، في سبتمبر (1507م) على متن 6 سفن حربية مهاجمين ميناء خورفكان، وقد استهدفوا آنذاك معظم مدن الخليج على الساحل، طمعاً منهم في السيطرة على طرق التجارة، وقد خلفوا وراءهم الخراب والدمار للمدينة، قبل أن يتوجهوا لهرمز، تاركين خورفكان كومة رماد إثر إضرام الحرائق وهدم البيوت وتشتيت الأهالي.
ولكنهم حينما فكروا في إعادة الكرة بعد (27) عاماً في فبراير (1534م) كان أهالي خورفكان قد أعادوا بناء مدينتهم وحصونهم، واستعدوا لمواجهة الغزاة، الذين جاؤوا بغية احتلال خورفكان وإرجاعها للخضوع لملك هرمز بناء على طلب الأخير، من أحد قادة البرتغال، بعد أن قوية شوكة أهالي خورفكان على الساحل، حتى إنهم حولوا معظم تجارة هرمز إلى خوفكان، وبالفعل استجاب ملك البرتغال لطلب ملك هرمز وأمر قادته بغزو خوفكان، لكنهم انسحبوا مرغمين من أمام شاطئ المدينة، بعد أن واجهوا صمود الأهالي، الذين قاوموهم، بمنتهى صمود ورباطة الجأش، على مدى يومين بكل ما لديهم من أسلحة بسيطة، فاستحقت قصتهم أن تروى وأن تخلد على مر الزمن، والمفارقة التاريخية التي توضح ما يمتلكه العرب من دماثة خلق، وعفو عند المقدرة، أن أهالي خورفكان حينما تمكنوا من البرتغال وقدروا عليهم، وقتلوا منهم أعداداً وأسروا منهم الكثير، لم يمثلوا بهم كما فعلوا بآبائهم.

ملحمة تاريخية بتوقيع سلطان القاسمي

لتنتهي ملحمة أهالي خورفكان - خالدة الذكر- بتبادل الأسرى، ويختتم (سلطان القاسمي) أحداث روايته، عند هذه اللحظة الفارقة بين الحق والباطل، فاتحاً نافذة مضيئة يطل من خلالها أبناء المدينة على تاريخهم بكل فخر وإعزاز.
فرواية مقاومة خورفكان للغزو البرتغالي هي الإصدار الحادي والثمانون لصاحب السمو حاكم الشارقة ضمن سلسلة مؤلفاته في مختلف حقول المعرفة: التاريخ والسير، والتحقيق والأدب والمسرح، والتي ترجم العديد منها إلى 20 لغة أجنبية.
كما تعتبر الرواية التاسعة ضمن سلسلة الروايات التاريخية لسلطان القاسمي، بعد أن أصدر سموه "الشيخ الأبيض" في 1996م، و"الأمير الثائر" في 1998م، و"الحقد الدفين" في 2004م، و"بيبي فاطمة وأبناء الملك" في 2018م، و"رأس الأمير مقرن" في 2019م، و"الشيخ المتصوف راشد بن مطر القاسمي" و"سيرة سلاطين كلوة" و"الجريئة" في 2022م.
وتجدر الإشارة إلى أن الفيلم الإماراتي التاريخي (خورفكان) والذي ترجم لعدة لغات عالمية، مأخوذ عن كتاب (مقاومة خورفكان للغزو البرتغالي) لصاحب السمو حاكم الشارقة، أنتجته هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، وأخرجه الإيرلندي موريس سويني، والبريطاني بين مول، وشارك فيه تنفيذه أكثر من 300 متخصص وفني، أما أبطال العمل فكانوا نخبة من النجوم الإماراتيين والعرب، من بينهم: أحمد الجسمي وحبيب غلوم، ورشيد عسّاف وقيس الشيخ نجيب.

ملحمة تاريخية بتوقيع سلطان القاسمي

عُرض الفيلم لأول مرة ضمن مراسم افتتاح مشروع طريق خورفكان وعدد من المشاريع الجديدة، بأبريل (2019)، وقد تم عرضه في دور السينما بالإمارات في (2020) ومن ثم زار عدة عواصم عربية وعالمية منها: السعودية والبرتغال وإيطاليا.
كما حظي (خورفكان) بمتابعة واهتمام كبير، وحصد الكثير من الجوائز المحلية والعالمية، ففي أولى مشاركاته بالمهرجانات السينمائية الدولية، حصد الفيلم ثلاث جوائز في مهرجان أثفيكفاروني السينمائي الدولي في الهند، فقد نال جائزة "أفضل فيلم آسيوي"، و"أفضل تصوير سينمائي" و"أفضل مخرج لفيلم آسيوي"، ضمن عدد كبير من الأفلام العالمية المشاركة في المهرجان.
و توج فيلم (خورفكان) في مارس / آذار الماضي، بجائزة أفضل فيلم روائي طويل في الدورة الثامنة لمهرجان الرؤية السينمائي، الذي أقيم في إيطاليا بعد منافسة عدد كبير من الأفلام العالمية.
وتسلم الجائزة محمد حسن خلف مدير عام هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون والمنتج المنفذ للعمل، نيابة عن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، (المؤلف). كما فاز الفيلم بجائزة أفضل إخراج.




التعليقات

فيديو العدد