الأدب الإماراتي يكتب محليته لقُراء عالميين بقوائم البوكر
العدد 162 - 2024
معك .. ماذا كان؟ .. وكيف أضحى؟ كنت بيدي ساكناً سكون الروح، هادئاً هدوء النفس، واليوم... تمتد يدايّ وتمتد ليتضاعف طول ذراعى عبر الآفاق بحثاً عنك بلا جدوى، ذراعى لن تمسك بذراعك أبدا، ويداي تبدوان بلا فائدة.
كان هذا لسان حال "سوزان طه حسين" حين خطت أناملها كلمات كتاب (معك) والذى وصفته الأوساط الثقافية العربية والأوربية بملحمة رومانتيكية رائعة جسدت خلالها عبقرية الإحساس توازناً مع عبقرية العقل، كما قدمت فيه نفسها كامرأة استطاعت بدفء أن تسع قلباً ضاقت به الدنيا.
جاءتها فكرته بعد الرحيل مباشرة حين وجدت نفسها فى (رامتان) البيت الذى جمعهما لسنوات -وجمع معهما الأبناء والأحفاد- وسط أكوام من الخطابات والمراسلات كانت بينهما، واستدعاء لذكريات أبت أن ترحل مع رحيل الجسد.
بدأتها "سوزان" من (جان دونى بباريس) حيث اضطرت للسفر وحدها تاركة زوجها فى مصر، وفي رسالتها إليه من هناك تتساءل: لماذا لا تكلمنى يا حبيبى، منذ صباح الأمس وأنا أناديك بيأس.. حتى أنني سرت على هذا الدرب الذي أتينا إليه سوياً من قبل وسرنا فيه كثيراً، أكاد أتعرف إلى كل شجرة تقريباً، كان النسيم رقيقاً مفعماً بعطور (جاردون) إلى الحد الذي شعرت معه بأننى مذنبة إذ أتلقى كل هذا الجمال في غيابك.
وسرعان ما تجد رده على رسالتها تلك من بين خطاباته لها فيقول: (أجدك فى كل مكان دون أن أعثر عليك، كل الغرف باتت معابد وعلي أن أزورها، أخرج من غرفة لأدخل أخرى ألمس الأشياء وأنثر القبلات هنا وهناك).
وهنا تطوى "سوزان" الأوراق وتردد بصوت مسموع: (لا أكاد أصدق ذلك إلا بصعوبة، أمن الممكن يا "طه" أنني كنت محبوبة على هذا النحو، وأنني المقصودة بهذا السيل من الحنان) وتضيف: (لست فى رامتان على الإطلاق وليس عمري ثمانون عاماً، إنني خارج الزمن الحاضر بل وخارج العالم) وتتساءل: (كل هذا القدر من الحب كان عليّ أن أحمله وحدى؟! ياله من عبء رائع) .
ما أكثر ما نحب أن نتكئ على الذكريات ونستشعر حاجة عميقة لوجود الأشخاص الذين أحببناهم فنجعلهم يشاركوننا حياتنا مجدداً بعد موتهم.. حلم جميل جسدته "سوزان" عندما أرادت أن تعيد الحياة إلى رامتان قائلة: (كل نظرة على قطعة أثاث تستدعي ماضياً لا أريد أن أصدق أنه ماضٍ) ثم تتساءل: (ما أكثر ما أفكر في النساء اللواتى غدون وحيدات وهن مازلنا فى ريعان الصبا، أفكر فى كل ما لم يعرفه الرفيق الراحل والذي سيتسع دون توقف) وتردد: (أعرف جيدا أن أولئك الذين تحابوا يتواصلون على نحو آخر لكن الأمر مؤلم بعد كل حساب).
التعليقات