"طه حسين" قلب يستحق كل سعادة العالم!

"طه حسين" قلب يستحق كل سعادة العالم!
"طه حسين" قلب يستحق كل سعادة العالم!

معك .. ماذا كان؟ .. وكيف أضحى؟ كنت بيدي ساكناً سكون الروح، هادئاً هدوء النفس، واليوم... تمتد يدايّ وتمتد ليتضاعف طول ذراعى عبر الآفاق بحثاً عنك بلا جدوى، ذراعى لن تمسك بذراعك أبدا، ويداي تبدوان بلا فائدة.

كان هذا لسان حال "سوزان طه حسين" حين خطت أناملها كلمات كتاب (معك) والذى وصفته الأوساط الثقافية العربية والأوربية بملحمة رومانتيكية رائعة جسدت خلالها عبقرية الإحساس توازناً مع عبقرية العقل، كما قدمت فيه نفسها كامرأة استطاعت بدفء أن تسع قلباً ضاقت به الدنيا.

جاءتها فكرته بعد الرحيل مباشرة حين وجدت نفسها فى (رامتان) البيت الذى جمعهما لسنوات -وجمع معهما الأبناء والأحفاد- وسط أكوام من الخطابات والمراسلات كانت بينهما، واستدعاء لذكريات أبت أن ترحل مع رحيل الجسد.

"طه حسين" قلب يستحق كل سعادة العالم!

بدأتها "سوزان" من (جان دونى بباريس) حيث اضطرت للسفر وحدها تاركة زوجها فى مصر، وفي رسالتها إليه من هناك تتساءل: لماذا لا تكلمنى يا حبيبى، منذ صباح الأمس وأنا أناديك بيأس.. حتى أنني سرت على هذا الدرب الذي أتينا إليه سوياً من قبل وسرنا فيه كثيراً، أكاد أتعرف إلى كل شجرة تقريباً، كان النسيم رقيقاً مفعماً بعطور (جاردون) إلى الحد الذي شعرت معه بأننى مذنبة إذ أتلقى كل هذا الجمال في غيابك.

وسرعان ما تجد رده على رسالتها تلك من بين خطاباته لها فيقول: (أجدك فى كل مكان دون أن أعثر عليك، كل الغرف باتت معابد وعلي أن أزورها، أخرج من غرفة لأدخل أخرى ألمس الأشياء وأنثر القبلات هنا وهناك).

"طه حسين" قلب يستحق كل سعادة العالم!

وهنا تطوى "سوزان" الأوراق وتردد بصوت مسموع: (لا أكاد أصدق ذلك إلا بصعوبة، أمن الممكن يا "طه" أنني كنت محبوبة على هذا النحو، وأنني المقصودة بهذا السيل من الحنان) وتضيف: (لست فى رامتان على الإطلاق وليس عمري ثمانون عاماً، إنني خارج الزمن الحاضر بل وخارج العالم) وتتساءل: (كل هذا القدر من الحب كان عليّ أن أحمله وحدى؟! ياله من عبء رائع) .

ما أكثر ما نحب أن نتكئ على الذكريات ونستشعر حاجة عميقة لوجود الأشخاص الذين أحببناهم فنجعلهم يشاركوننا حياتنا مجدداً بعد موتهم.. حلم جميل جسدته "سوزان" عندما أرادت أن تعيد الحياة إلى رامتان قائلة: (كل نظرة على قطعة أثاث تستدعي ماضياً لا أريد أن أصدق أنه ماضٍ) ثم تتساءل: (ما أكثر ما أفكر في النساء اللواتى غدون وحيدات وهن مازلنا فى ريعان الصبا، أفكر فى كل ما لم يعرفه الرفيق الراحل والذي سيتسع دون توقف) وتردد: (أعرف جيدا أن أولئك الذين تحابوا يتواصلون على نحو آخر لكن الأمر مؤلم بعد كل حساب).

"طه حسين" قلب يستحق كل سعادة العالم!
  • (الألم الحقيقى هو أن يكون لديك الرغبة وليس لديك القدرة) إحدى مأثورات عميد الأدب العربى والتي استدعتها ذاكرتي على إثر كلمات "سوزان" عنه: (لو أن السعادة توهب لمن يستحقها، فهذا القلب يستحق كل سعادة الأرض) ذلك حين عادت بها الذاكرة إلى حيث كانا في الإسكندرية ووقع "طه" نتيجة الإرهاق والمرض فريسة إحدى النوبات السوداء من ذلك الصمت المخيف، والتي كثيرا ما عرفتها "سوزان" ووصفت حياتها في أثناءها وقد توقفت بل وانسحقت بلا أمل في مواجهة رفضه العنيد.
  • مما استدعى تساؤلها: (لماذا تبعد نفسك عني؟!) وتقول أن تساؤلها هذا كان سبباً فى وجود أزمة جديدة لديه حيث قال في عتاب: (أكان عليّ إذاً أن أتألم في حبى أيضاً؟ إننا نؤلم بعضنا كثيراً ولم أتصور على الإطلاق أمراً على هذه الدرجة من الشيطانية يسعه أن يتدخل فيما بيننا).
  • الزمان والمكان قضية شغلت الفلاسفة والمفكرين كما احتار معها "طه حسين" المحب العاشق لا المفكر الثائر حيث أتاه صندوق البريد فارغاً ويقول: (الرسائل لا تصل بفعل الزمان والمكان، بل لولا وجودهما لما كنا منفصلين الآن) وتقول "سوزان" حول القضية نفسها: (أتمنى أن أكون مجرد عابرة بالمعنى المطلق لهذه الكلمة لأجعل من نفسى خيالاً لا يرى، ثم أتجه إليك -فى صمت- بكل قوايا، فكل ما بقى مني يأتي إليك).
  • تظل مناجاة الحبيب عبر الأجواء أجمل حقيقة يعيشها المحبين، حين يصبح التخيل بأن الآخر يسمعه ويدرك معانيه هو اليقين رغم كل المستحيلات، وفى راماتان تناجيه "سوزان" عبر الموت: (عليّ أن أغادر الشرفة وأن أغلق النافذة وأن أسدل الستائر).. هكذا كان ينصحها -منادياً إياها- حين كانت تطيل الوقوف فى الشرفة فى البرد، (تعالي.. تعالي) وتعود مرددة بصوت مسموع (تعالَ أنت أيضاً)
  • نصل مع هذه المحبوبة ذات ال80 ربيعاً وقت كتبت هذه الكلمات وقبل وفاتها بسنوات إلى آخر ليلة من عمر هذا الحب في الدنيا حين طلب يدها ليقبلها ويضمها إلى صدره، وحين ألقت على جسده نظرة أخيرة، وتقول: (أخذت أحدثه وأقبل تلك الجبهة التي كانت من النبل والجمال بحيث لم يجترح فيها السن ولا الألم أى غضون ولم تنجح أي صعوبة فى تكديرها... جبهة كانت ولا تزال تشع نوراً).

التعليقات

فيديو العدد