الإمارات تجعل "استدامة الاستدامة" نهجاً وطنياً استراتيجياً
العدد الخاص بمناسبة عيد الاتحاد 53 - 2024
قد توحي قضية التفريق بين النثر والشعر بحالة من البداهة والبساطة التي لا تحتاج للنقاش والمساجلة، ولكن في الحقيقة فإن هذه القضية قد أثارت وتثير العديد من الطروحات والأفكار، وهي قضية تتطلب البحث لما لها من أهمية في فض نزاعات النقاد والشعراء، فيما يخص مسألة القديم والحديث في الشعر، ولما لها من عناصر التشويق الأدبي والنقدي والمعرفي، لذلك فإن تناول موضوع التفريق بين الشعر والنثر لا يأخذ طابع الترف الثقافي أو الأدبي أو الفكري بقدر ما يعبر عن حاجة موضوعية لكشف خفايا وتلافيف وخيوط الموضوع باعتباره يهم المهتمين والمتابعين للشأنين الأدبي والنقدي.
لقد ساعد النقد النابع من تصورات شخصية في تعميق إشكالية التمييز بين الشعر والنثر، فضاربت الآراء بين مفاضل لهذا ومفاضل لذاك. وكان بين ذلك من التزم موقف الوسط بين النثر والشعر وقال بالمساواة بين النثر والشعر من أمثال أبي حيان. يقول: إن "خير الكلام ما قامت صورته بين نظم كأنه نثر ونثر كأنه نظم يطمع مشهوده بالسمع، ويمتنع مقصوده على الطبع". ونحى القرطاجني منحاه في إطار تشبيهه لبناء النثر ببناء الشعر.
قد تبدو محاولة التفريق بين الشعر والنثر نوعاً من العبث، خصوصاً وأن هذين المجالين مترابطان فيما بينهما؛ فقد حفظ لنا التاريخ أسماء وأدباء جمعوا في إبداعهم بين النثر والشعر؛ فذاك الإمام الفقيه ابن حزم الأندلسي في كتابه المشهور "طوق الحمامة"، يجمع ما بين روعة السرد وأناقة الشعر، وذاك بديع الزمان الهمذاني والحريري في المقامات يمتطيان اللغة الشعرية والنثرية الحرون التي تتأبى إلا لمن امتلك مفاتيح الأدب والبلاغة.
يقول الناقد المصري محمد مندور في هذا الصدد: "الفرق واسع بين المضمون الشعري والمضمون النثري؛ فالأول يتسم بالإيحاء والخيال، بينما يقوم الثاني على تقرير حقائق أو وقائع أو قضايا منطقية أو علمية أو اجتماعية، لذا يلون الشعر هذه القضايا عند الحديث عنها بألوان عاطفية ويربطها بالوجدان الإنساني على نحو مباشر أو رمزي لكي يهز الوجدان فيستحق أن يسمى شعراً".
وينظر كلودويل إلى هذا الموضوع من أن ميزة الشعر أنه 1- إيقاعي 2- صعب على الترجمة 3- لا عقلاني، فهو إيقاعي باعتبار الإيقاع المعروف للشعر والمركب فوق الإيقاع الطبيعي لأية قطعة نثر، ولأن أهمية الإيقاع أهمية تاريخية وهي تعتمد في وقت من الأوقات على ظهور التناقض الأساسي للمجتمع على سطح اللغة وهو (أي الشعر) صعب على الترجمة لأن الترجمة لا تستطيع نقل الانفعالات والعواطف والمشاعر والأحاسيس المتنوعة الموجودة في الشعر من لغة إلى لغة أخرى، وهذا يظهر بصورة واضحة لدى أي قارئ يتقن اللغتين: اللغة الأصلية واللغة المترجم إليها أو بالعكس، يمكن أن نحافظ على الأوزان الشعرية إلا أنه بالنسبة للمعنى يمكن أن يترجم بدقة ولكن الانفعال الشعري الخاص يظل باهتاً في النص الشعر فيفقد حرارته وحيويته.
إن المزايا الجمالية الهامة للرواية مثلاً يمكن أن تبقى مع الترجمة، بينما الحال ليست كذلك بالنسبة للشعر .
إن الشعر نتاج لصراع الإنسان مع الطبيعة وباعتباره نتاج هذا الصراع فإنه في كل مرحلة من مراحل تطوره التاريخي يعكس في دائرته بالذات العلاقة النشطة للإنسان مع بيئته. كما قال "شيللي" بهذا الخصوص: "الشعر شيء لا يخضع لقوى العقل النشطة" ويبسط أدونيس النقاش في هذا الموضوع بقوله: "إن طريقة استخدام اللغة مقياس أساسي مباشر في التمييز بين الشعر والنثر، فحيث نحيد باللغة عن طريقها العادية في التعبير والدلالة ونضيف إلى طاقتها الإثارة والمفاجأة والدهشة يكون ما نكتبه شعراً". ويقول الدكتور حسين مروة في هذا الخصوص: "فلنصطلح إذن على الشعر الذي له النبض الجمالي سواء كان مكتوباً بوزن أو بغير وزن، والنثر هو الكلام العادي أو التقريري أو التسجيلي المحض المباشر هذا نثر".
يمكن أن أكتب مقالة فنية جميلة وأسميها شعراً وأكتب مقالة أخرى بحثاً مثلاً أو دراسة وأسميها نثراً.
التعليقات